لماذا يلقي الأفراد بمشكلات أي قصور على المؤسسة الرسمية..؟ بعيدا عن أي زخرفة أو نوايا أو تلوين.. فإن كل فرد له دور،..
ويمكنه الجلوس إلى نفسه وسؤالها في مواجهة صادقة عن الجزء الذي يمثله في التقصير..، بدءًا بمن حفر، وبمن راقب، وبمن تابع، ولمن استلم ولمن سلم.. في الشأن العام..
فالمسؤولية جماعية, وليست فردية، حتى المواطن المستهلك للأرض، عليه تقع مسؤولية محددة، حين لا تعنيه الملاحظة، ولا يشارك بالرأي...
ينطبق ذلك على أزمات التصريف، والعقار، والبيع والشراء, والإجراءات المختلفة المتعلقة بشؤون متجانسة، يتشارك فيها الجميع.. فالمجتمع الواحد كبر أو صغر يخص كل أفراده..
فالرعاية تتدرج، كما جاء بها حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، حتى الخادم راع في دار مستخدمه، وحتى الزوجة مسؤولة عن رعاية بيتها، ومال زوجها..، لم يقل الرسول -صلى الله عليه وسلم-، بمنطقه المؤسس أن الأب وحده الراعي، أو هو وحده المسؤول، فالمرأة التي لا تكشف لزوجها عن الخلل في بيته، ستقصيه عن أن يعلم به، لذلك فإنه ليس مكبلا بنتائجه، بل هي وحدها المسؤولة عن النتائج، فهو يذهب للكد ويأتي بما جادت به اليد، وينام قريرا وزوجه الحارسة، فماذا تقدم المرأة في شأن أمانة الرعاية..؟.. هذا النموذج منطلق لكل رعاية منوطة بفرد في خلية مجتمعه.. الأمر الوحيد الذي لابد أن يتنبه له الرأس في الرعاية هو أن لا يثق في كل من يوليه أمرا حتى تثبت أمانته في جزئية رعايته، لأن الإنسان جبل على الخطأ، وتحيطه النفس بأهوائها، والدنيا بغرورها، ما لم يتمكن الإيمان من النفس فيه، وتقوى التقوى في صدره، وتتجلى في أدائه... حين يكون الشارع مثلوما، والدرب مقطوعا، والماء ملوثا..، والمال منهوبا، والحق ضائعا، والحاجات شحيحة، والسلوك منحرفا، والسرقة منتشرة، فإن كل فرد في المجتمع مسؤول عن كل ذلك، إما بدور لم يؤده، أو بعمل لم يفِه، أو بصمت عدم مبالاة، فيكبر حجم السرقة، ويتمادى الفساد، وتتعاظم الأزمات في المرافق، إذ كلما زاد عدد أفراد المجتمعات، زادت إناطة المسؤوليات بأفرادها، وحمِّلوا أمانات رعايتها..
هذا هو المجتمع البشري المثالي، فيه الرعاية تتدرج، ولا يتحمل راع وزر من يقصر في دوره...
الفيصل عندها هو العلاج بالتعزير، والعقوبة، والنصيحة..
فعلموا أبناءكم كيف يصبحون رعاة في بيوتهم، ومكاتبهم, وشوارعهم، وإشرافهم،وتنفيذهم، ومدارسهم، وأداء أماناتهم ولو على أنفسهم..وإن كانت بهم خصاصة.. تلك قواعد منهج النور، وتلك منطلقات الحياة المتكاتفة..
هي ثقافة داعمة للقيم فيهم، قيم المسؤولية، وقيم السلوك نحوها بدقة، وأدائها بإتقان، علموهم أن الأب في بيته، والأم في حجراته وداخل جدرانه، والمعلم في مدرسته وبين كتبه، والموظف في اختصاصه وحدود أمانته، والقاضي في محكمته، والمفكر في مصنفاته، والإعلامي في وسائله، والمهندس في مخططاته وخرائطه، وجابي الزكاة في حصاده، ومسير المركبات في محطاتها، جميعهم من الخادم للمخدوم، ومن الطاهي للآكل..، من الصغير في اكتساب دعامات تنشئته، وتربية سلوكه، إلى الكبير في إلهام من حوله أسس الفضائل في الأداء، والعمل، والتنفيذ, والتطبيق، والاقتداء...هم دعامات أداء المسؤولية، عندما يؤدون على وجه من الأمانة رعايتهم..على وجهها التام..
علموهم أن الحياة من حولهم سحابات تهل بأمطارها..
فليبق المطر رسول رحمة في ثقافتهم..
وإن همَّ بسيل..
لكنهم جميعهم رعاة قطراته...أين تصب، وكيف تسقي.