لكل منظومة حديثة خططها وأهدافها وآليات عمل يتم وضعها ورسمها وفق الإطار الذي أنشئت من أجله، وتبدأ بعد ذلك رحلة العمل لتحقيق ما يتم وضعه من خطط وأهداف بغية تحقيقها والوصول للهدف الذي يتطلع له كل من أوكلوا مهمة إنجازه.
لا بد أن القائمين على إدارة الهيئة العامة للسياحة والآثار وبعد مرور قرابة عشر سنوات على إنشائها يعوا تماماً مسألة التقويم الذي ينتظرهم وينتظر ما عملوا خلال تلك الفترة وأهم المنجزات التي تمت على صعيد تحسين البيئة السياحية بالمملكة في شتى مجالاتها، وهم يعون أيضاً أن عشر سنوات ليست كافية في عمر منشأة كالهيئة العامة للسياحة والآثار ليس قصوراً فيها وفي من يديرونها، بل لعدم وجود مفهوم وثقافة السياحة الداخلية بشكل يسمح لها بتوظيفه لتحقيق أهدافها، عشر سنوات ليست كافية لتحقيق ما رسمته من أهداف في بداية إنشائها لكنهم في ذات الوقت على دراية كافية بأن تلك الفترة كفيلة على أقل تقدير بتقويم المرحلة ومعرفة ما تم وما لم يتم من ناحية، والجوانب التي يُفترض أن يتم تغيير آليات العمل لإنجازها إضافةً إلى ما استجد خلال تلك الفترة وأصبح أمر الانتباه له ضرورة تحتم إضافته لأهداف الهيئة وما يلحق ذلك من تعديل لخطط إنجازه أو خطط عمل الهيئة من ناحية أخرى.
انتهت مؤخراً الهيئة من أهم منجز ربما على صعيد تنظيم ما يُطلق عليه قطاع الإيواء من حيث تقويمه ومعالجة الأخطاء التي يعاني منها، فعملية تصنيف الفنادق والوحدات السكنية أتى بجهد خارق وبعد دراسات وعمل منظم ومتواصل من أجل تنظيم عملية الاستثمار السياحي وهو الأمر الذي يندرج ضمن اهتمامات الهيئة في تنشيط السياحة بالمملكة وتحويل هذا البلد إلى وجهة سياحية. إن إنشاء منظومة جديدة حديثة فتية كالهيئة العامة للسياحة يعتبر أمراً غاية في الصعوبة ونجاحها إنما يحسب لقيادتها ولفريق العمل فيها فعملية تفعيل نشاط معين وتطويره وتبني مهنة وتوطين وظائفه في بلد لا يوجد به سياحة أساساً وتغيب فيه ثقافة السياحة الداخلية لهو أمر يستحق الوقوف عنده والتفاخر به.
الإشكاليات التي نعاني منها الآن وهي التي تهم رجل الشارع والمستثمر العام والسائح والمتدرب والراغب في حضور ندوات ومنتديات ومؤتمرات هو اكتظاظ فنادق أي مدينة في المملكة حين الإعلان عن تلك الفعاليات، ويتساءل الناس عن سبب ذلك، ليس عن سبب امتلاء غرف الفنادق والوحدات السكنية بل عن عدم تشجيع المستثمرين في قطاع الإيواء لبناء الفنادق والوحدات السكنية برغم الأرباح الهائلة المنتظرة من تلك الاستثمارات خصوصاً بعد أن تمت عملية تصنيفها من قبل الهيئة، يتساءلون عن سبب عدم تدخل الهيئة العامة للسياحة والآثار في تنظيم الفعاليات بالمملكة التي غالباً ما تأتي مجتمعة في موسم واحد ما يجعل إمكانية الحصول على غرفة في فندق أمراً مستحيلاً وضرباً من ضروب الخيال، فيطرحون سؤالاً بريئاً مفاده لماذا لا تقوم الهيئة بالإشراف على ترتيب تلك الفعاليات بحيث تضمن توزيعها على مدار العام بدلاً من جمعها في فترة واحدة فقط؟
الأمر الآخر الذي يهم العامة هو الطرقات الرئيسة وأماكن الراحة فيها ومراكز الخدمات على جوانبها، فكثير من الثمانية مليون ونيف من غير السعوديين المقيمين في هذه البلاد يرتادون تلك الطرق بشكل مكثف، فضلاً عن من يأتون براً للسياحة الدينية أو من يسافرون براً من مدينة لأخرى للسياحة العادية وهم بذلك ينقلون ما يشاهدونه لأقرانهم في بلادهم، وحقيقة الأمر أن ما يشاهدونه لا يسر ولا يفرح ولا يجعلنا فخورين تماماً بما يُقدم فضلاً عن أنه يسيء بالدرجة الأولى للجهة الإشرافية عليه بغض النظر إن كانت جهة أخرى غير الهيئة كوزارة النقل أو خلافه، فالناس لا تعرف إلا الهيئة ولا ينتظرون تحسينات إلا من الهيئة ولا يتوقعون ارتقاء بتلك الخدمات إلا من الهيئة.
يكفي أن نقوم بما يجب علينا القيام به لضمان نجاح الجهد في تأمين حدود دنيا للسياحة الداخلية من تأهيل أماكن الجذب السياحي والترويج لها ومراقبة مزودي الخدمات السياحية من إيواء وترفيه إلى منتزهات ومطاعم، يكفي أن نقوم بتنظيم تلك الخدمات على نحو يجعل من السياحة الداخلية هدفاً للمواطن والمقيم، يكفي أن نوفر للمواطن والمقيم والسائح ما يتوقع أن يجده في رحلاته الخارجية لكسب بقائه داخلياً، يكفي أن نعمل على تيسير السياحة الداخلية على محدودي الدخل ممن لا يستطيعون السفر للخارج للسياحة، يكفي أن نرفع شعار البقاء للأنظف والأجمل والأفضل خدمة والأقل تكلفة من مزودي الخدمات السياحية والقضاء على الجشعين منهم ممن يعملون عكس ما تهدف إليه الهيئة.
إلى لقاء قادم إن كتب الله.