وصلتني الأسبوع الماضي رسالة تحذيرية بالجوال، كما وصلت غيري، من جميع شركات الاتصالات مصدرها الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة تحذر من حدوث تقلبات جوية خطيرة على مدينة الرياض، وحددت وقتها من الساعة الخامسة عصرا إلى الثالثة صباحا! ودعت الناس إلى عدم عبور المناطق المغمورة بالمياه، وكذلك مستخدمي الطرق السريعة والداخلية بأخذ الحيطة والحذر في مثل هذه التقلبات الجوية.
والحق أنني شعرت بالبهجة والفخر لوجود من يهتم بأمرنا، وأننا أصبحنا مجتمعاً حضارياً يستخدم التقنية الحديثة بما يخدم مصالحه ويشعرنا بالطمأنينة. وتفاعلت مع الخبر وأخذته على محمل الجد والهلع، والتزمت بالتحذير؛ حيث لم أبرح المنزل خلال ساعات التحذير خوفاً من تلك التقلبات الجوية الخطيرة، بل إنني دعوت لمؤسسة الأرصاد وشكرتها في نفسي لتجنيبي وغيري حوادث مرورية محتملة. وتوقعت بعد التحذيرات بأن شوارع الرياض ستكون خالية تماما من المركبات والعابرين.
ويبدو أنني كنت الوحيدة التي التزمتْ بذلك التحذير؛ فقد سخر من فحوى الرسالة كثير ممن حولي، ولكنني صمدت باعتبار أن المؤسسة العامة للأرصاد وحماية البيئة السعودية مؤسسة حضارية تتعامل مع المواطنين بجدية ودقة بناءً على الدراسة والتوقعات بمراقبة وتحليل الظواهر الجوية على مدار الساعة لإصدار التحذيرات اللازمة في حينها!
وكانت المفاجأة أن لا شيء حدث مقارنة بالتوقعات التي وصلت إلى حالة الهلع وما حملته تلك الرسالة المضللة! فلم يتعد الأمر نزول قطرات قليلة وهبوب رياح خفيفة عادية على أحياء معدودة في مدينة الرياض. وبالمقابل، فإن الأمطار الغزيرة التي هطلت على الرياض قبل شهر لم يسبقها أي تحذيرات، وقد تسببت بخسائر مالية لتجار الحديد والأخشاب والإسمنت، فضلا عن تسبب انعدام الرؤية المصاحب للرياح الشديدة والأمطار بإثارة الهلع والخوف عند الناس لاسيما بعد إعاقة الموظفين واستنفار طلاب الجامعات، حيث لم يستطيعوا العودة لمنازلهم إلا بصعوبة؛ مما حدا بإدارة التعليم في منطقة الرياض والجامعات بتعليق الدراسة لليوم التالي. وكانت المفاجأة الثانية عدم نزول قطرة واحدة خلال يوم الإجازة!!
وهنا يمكن تشبيه تحذيرات الأرصاد بقصة الراعي الذي استنجد بالناس بدعوى انقضاض الذئب على غنمه، وحين تدافعوا لإنقاذه أخبرهم بأنه كان (يمزح!) ويجرب شهامتهم في حالة مهاجمة الذئب الحقيقية له ولغنمه، فاستاء الناس واستخفوا بتصرفه. وحين هاجمه الذئب حقيقة عاود الاستغاثة بهم فلم يجد له مغيثا. وأخشى أن يفقد الناس مصداقية مؤسسة الأرصاد كفقدهم المصداقية بالراعي، حينما لا تتوافق التحذيرات مع الحدث أو تحصل الكارثة بدون تحذير!
فالمتابع لتوقعات الأرصاد يرى انعدام دقتها، ربما بسبب وجود خلل تقني أو إداري في المؤسسة لاعتمادها على أعداد غير كافية من محطات رصد الظواهر السطحية، فالمحطات المتوافرة بالمملكة على اتساع مساحتها لا تتجاوز إحدى وثلاثين محطة، وهي مخصصة لخدمة المطارات الدولية والإقليمية، إضافة إلى توفر ثماني محطات رصد علوي فقط. بينما في أمريكا تتوافر محطة رصد لكل خمسين كيلومتر مربع!
وبرغم عرض القنوات الفضائية للنشرات والتوقعات الجوية على مدار الساعة إلا أنها في بلادنا نادراً ما تصدق مما جعل الناس تضرب صفحاً عنها ولا تثق بها! ويجدر بمؤسسة الأرصاد الجوية (العملاقة) مراجعة وتقويم أعمالها، وضرورة استنادها على حسابات دقيقة لتكون مواكبة للتطلعات المنشودة!!