لم أتردد طويلا والزميل مدير التحرير للشؤون الرياضية يسألني عن اسم الزاوية التي سأختارها للإطلالة من خلالها أسبوعيا مصافحا قراء الجزيرة الكرام، إذ اخترت (الحاسة السادسة) مباشرة..
بعيدا عن مضمون ومعاني الحاسة السادسة (التي سأتطرق لها) فإن الاختيار هو عودة إلى اسم لزاوية أعتز بها كثير بل افتخر وأفاخر بها، للارتباط الطويل بها والنتاج الذي صدر عنها من خلال ما قدم تحت المسمى سنوات طويلة جدا، وأيضا المواقف (الاعتبارية) والقصص (الجميلة والمرة) التي أتذكرها وقتا بعد آخر وأستمد منها النشاط والحيوية والثقة في الاستمرارية، وقد بدأ الارتباط بها قبل (ثلاثة عقود) تقريبا من خلال صفحة أسبوعية في إحدى الزميلات، كانت تهتم بالإعلام والتحرير الرياضي وفنونه، وتمسكت بالاسم سنوات طويلة، وأصبح في نظري أكثر جمالا ورونقا عندما حصلت (قصة) مع شخصية إعلامية كبيرة وهامة طويلة وقامة سامقة في الإعلام الرياضي، هو الدكتور هاشم عبده هاشم، فقد اختار الاسم نفسه اسما لزاويته اليومية في جريدة عكاظ، عندما كان يرأس تحريرها، ودخلت الصحيفة في احد الأعوام مرحلة تطويرية جديدة لصفحاتها وزواياها، فكتب الدكتور (الأستاذ) تحت نفس الاسم، قبل أن يتنبه إلى وجود الاسم نفسه في صحيفة منافسة لصحفي (صغير) ومغمور يتلمس طريقه في الصحافة والإعلام الرياضي، فوجه سعادته الصديق الزميل خالد دراج ليسألني عن اسم الزاوية، وما إذا كان اختيارا جديدا، فيكون للدكتور الحق بحكم الأسبقية والعمر (هكذا قال) ولم يقل بحكم (أفضليات) كثيرة كالسن والقامة والمقام وغير ذلك، وعندما وضحت الصورة له و(تذكرها) معي الزميل الزمول نقلها، فغير الدكتور - بكل تواضع - اسم زاويته إلى (إشراقة) أخرى، وحفزني ذلك عمليا إلى (التشبت) بالاسم والاستمرار عليه سنوات طويلة قبل أن تختفي في المرات التي اكتب فيها في صحف لا تعتمد أسماء لزوايا الكتاب، وزاد تمسكي أكثر بالاسم بعد حمل أول (كتيب) ألفته في الإعلام الرياضي عام 1408هـ الاسم نفسه..
إنها واحدة من القصص النادرة عن (أخلاقيات الكبار) والهامات الكبيرة في الصحافة وأردت أن أشرك فيها قراء الجزيرة في أول إطلالة.
أما (الحاسة السادسة) فأغلب الظن أن المقصود بها (قدرة البعض على التوقع الصحيح لبعض أمور الغد باستشعار المستقبل.. - ولا يعني ذلك كشف الغيب الذي هو في علم الله سبحانه وتعالى وحده - وإنما نعني التوصل إلى أفكار جديدة لموضوعات قائمة أو مستحدثة، وقد تكون الحاسة السادسة هي التوصل إلى أفكار جديدة أو وضع حلول مثلى للأحداث في الوقت المناسب.. وكمعنى دقيق فإن الحاسة السادسة قد تعني التوقع ويعرف ب(الحدس).. والحدس يعرّف علميا على أنه (القدرة على التوصل إلى نتائج صحيحة انطلاقا من أقل كمية من المعلومات المتاحة) ويتحكم في هذا القدرة أو يساهم فيها اختلاف الفروق الفردية من حيث سرعة الفهم والقدرة على التعلم والمرجعية أو الخلفية الشخصية ومخزون المعلومات الذاتية في الذاكرة الإرادية..
إن هذا يعني أن الحاسة السادسة ليست تصورا ولا أمرا اعتياديا، وهي أيضا ليست صدفة أو حظا وإنما هي استدعاء للخبرة والمخزون المعرفي (الذاكرة الإجرائية) بكثير من الواقعية، وقد نعني بها هنا محاولة تشغيل أو تنشيط (الذاكرة البيانية) للقارئ، لأن الحدس أو الحاسة السادسة (منبعهما) الأصلي المعلومات المخزنة في مستودع التخصصات التي منها نستقي التوقع أو الأفكار أو المعالجة، ويكفي أن تكون ملتقى للتذكر أو لاستشعار المستقبل.
سقوط مسكوت عنه
لم يكن السقوط الذي حدث للكرة السعودية في الدوحة سقوطا واحدا، مقتصرا على منتخب الكرة، وإنما كان متعددا شمل عناصر رياضية وأدوات أخرى غير المنتخب الوطني.. سقوط المنتخب الوطني كان (مدويا) وموضع تناول شامل وأشبع طرحا من كافة الجوانب، وكان من نتاجه قرار تاريخي سيتبعه تغييرات قادمة مؤثرة وحراك كبير منتظر، غير أن السقوط الذي اعترى عناصر وأدوات أخرى لم يلقَ له بالاً ومر مرور الكرام!
السقوط الآخر الذي أعنيه حدث للإعلام الرياضي بشقيه الفضائي والمكتوب (الورقي)؛ الإعلام الفضائي كان الحكم العام عليه انه سجل إخفاقا وفشلا، وجاء الحكم (داخليا) من خلال المتابعين، خاصة للبرامج الحوارية التي صاحبت التغطية الموسعة الفضائية، فقد كانت أغلب البرامج دون المستوى والحكم العام لها ليس في صالحها، ويكفي أن ناقدا نافذا مثل فوزي عبدالوهاب خياط اعتبر ما قدم إسفاف وعبث وسقوط و(فشيلة)، كما أن شخصية متابعة وخبيرة مثل الأمير خالد بن فهد (عضو شرف نادي الاتحاد) شبه احدها بالمقهى الشعبي (!!) وغير ذلك من الآراء القوية. غير أن سقوط الإعلام المكتوب (الصحافة الرياضية) كان كبيرا في السباق أو المنافسة التي دخلتها (بعلمها أو بدون) مع الصحافة والملاحق الرياضية الأخرى، التي كانت تغطي البطولة، وذلك من خلال كأس أو جائزة (الملحق الذهبي) الذي خصص للصحف والملاحق الرياضية التي غطت البطولة ونظمته قناة الدوري والكأس (الناقل الرسمي للبطولة) وخصصت ثلاث جوائز للمنافسة عليها من قبل الصحف والملاحق الرياضية وفرغت لها لجنة (محايدة) تضم أسماء كبيرة وخبيرة في الإعلام والصحافة الرياضية من بينهم الخبير الإعلامي المعروف القطري (سعد الرميحي) وفاز بجائزة الملحق الذهبي لأفضل تغطية صحفية ملحق (جريدة الاتحاد) الإماراتية وفاز ملحقي جريدتي الوطن والراية (مناصفة) بجائزة الملحق الفضي، وملحق جريدة البلاد البحرينية بجائزة الملحق البرونزي، السقوط الصحفي في الدوحة لم تتحدث عنه الصفحات والأقلام الرياضية، ورغم أن خبر (المسابقة) أوردته الصحف بتوسع مع انطلاقة البطولة، إلا أنه لم يتم التطرق لها بعد إعلان النتائج، سوى بخبر (مقتضب) في صحيفة أو صحيفتين تحدث عن الفائز الأول فقط.. إن (رسوب) الصحافة والملاحق الرياضية السعودية في منافسة البطولة الصحفية يعني أن (التراجع) والتخلف وتدني العطاء والمستوى في رياضتنا ليس خاصا (باللعب واللاعبين) والمستطيل الأخضر وإنما هو واسع وكبير ويكاد يلحق بكل الأدوات والعناصر!!
كلام مشفر
هذه الزاوية ستحاول أن تكون كلاما يجسد بعض معاني (الحدس) من خلال الأطروحات والموضوعات التي تتطرق لها وعلى طريقتها ستسعى إلى أن تستقي التوقع أو الأفكار أو المعالجة للموضوعات التي تتناولها وآمل أن لا يكون (الرسوب) مصيرها.
* ماذا يعني أن تقدم صحيفة محسوبة على أنها (زرقاء) عرضا لكاتب محسوب على أنه (أصفر) وتطلب منه الانضمام إلى طاقم كتابها، وماذا يعني أن يستجيب؟ حسنا لن أفصل، ولكن أؤكد أن هذا الوسط يستطيع أن يقدم مهما كانت الاختلافات أن ذلك لا يفسد للود القضية، وربما أن ذلك نجده عند طرفين متناقضين أكثر مما نجده عند طرفين يلتقيان في (الموالاة) شكلا وقد يختلفان مضمونا! آمل أن أكون عند حسن ظن الزملاء وأهلا لثقتهم، وآمل أن نكسب سويا الرهان مع القراء.
طالبت الصحافة الرياضية بعد آسيا بإصلاحات وتغييرات وتطوير للعمل الرياضي ولجان اتحاد كرة القدم، نتيجة فشل المنتخب، ومن حقنا كقراء أن نطالب الصحافة نفسها أيضا بإصلاحات وتغييرات وتطوير للعمل الصحفي الرياضي بعد سقوط الدوحة، حتى تواكب صحافتنا (الصحافة الخليجية) وتقدم عملا مهنيا في مستوى الحدث.
وبالمناسبة فإن المسابقة الصحفية حسب علمي كانت خاصة ومقتصرة على الإصدارات العربية، ولم تدخل فيها اللغات الأخرى، ومع ذلك فشلت فيها صحافتنا الرياضية، فكيف لو توسعت وشملت اللغات الأخرى وصحافة شرق آسيا؟! ألقاكم بإذن الله على خير (دور اليوم) في الأسبوع القادم.