في دعوة كريمة على العشاء طرح أحدهم هذا السؤال: يا جماعة ما هي برأيكم العقبة الأولى في امتلاك المواطن السعودي منزله الخاص؟، هل هي قطعة الأرض أم تكاليف البناء؟. قيلت أجوبة كثيرة كان أكثرها تأثيراً هو صعوبة الحصول على قطعة الأرض، لكن ليس بسبب ارتفاع ثمنها فقط وإنما لندرة المتاح في سوق الأراضي السكنية في المدن بالأساس. صاحب هذا الرأي دعمه بملاحظة أن حجم الأراضي المسورة بجدران أو بالسياج المعدني مهول، وأن هذه الأراضي الشاسعة حصل عليها أصحابها على شكل منح مجانية أو بأسعار رمزية، لكنها غير معروضة للبيع كسلعة استهلاكية، لأن ملاكها غير محتاجين لمردودها المالي وغير مستعجلين على بيعها قبل أن تضرب الأسعار ضربتها التي يتوقعونها. إذاً، هكذا قال، الأراضي الصالحة للسكن في المدن السعودية أكثر من كافية لتغطية الحاجة الوطنية الإسكانية، لكنها خارج نطاق التداول. يترتب على هذا التعطيل المتعمد لتوفير الأرض السكنية عدة ضربات موجعة لن يتحمل المواطن المحبط استمرارها إلى يوم القيامة. الموظف الصغير والعامل محدود الدخل والمتسبب الذي يحاول تأمين حياته يوماً بيوم والشاب الذي حصل بمعجزة على وظيفة، هؤلاء كلهم تجمعهم نفس الهموم. همومهم المشتركة هي محاولة الفكاك من استقطاع ثلاثة أرباع الدخل المتواضع على الإيجار، وعدم قدرة العزاب منهم على توفير متطلبات الزواج، والتعايش اليومي مع فكرة أنهم قد يعيشون حياتهم ويموتون دون الحصول على شيء يستطيعون تسميته سكناً خاصاً، وفوق ذلك إحساسهم بنقص الكرامة لهذه الأسباب رغم أنهم أبناء وطن بسعة قارة وبإمكانيات مادية تستطيع توفير متطلباتهم أضعافاً مضاعفة بالتدخل الإصلاحي الحاسم. يجب أن يضاف إلى كل هذه الإحباطات حقيقة أن لهؤلاء عقولاً يفقهون بها وعيوناً يرون بها الفرق الهائل بين واقعهم وبين واقع أصحاب الأراضي الشاسعة المسورة والمسيجة وطموحاتهم. واحد من المشاركين في النقاش طرح على صاحب الرأي السابق سؤالاً عن تمويل البناء وكيفية الحصول عليه وبأية شروط فيما لو يسر الله وتم الحصول على قطعة أو قطيعة أرض ولو بمعجزة، أليس هذه معضلة أخرى؟. انطلق الجواب من صاحبه كالطلقة: يا صاحبي، سعر قطعة الأرض السكنية عندنا يبتلع إحصائياً ثلثي تكاليف الحصول على سكن خاص. إذا استطعت بطريقة ما شراء 400 م 2 بمبلغ سبعمائة وخمسين ألف ريال فعليك تجميع خمسمائة ألف ريال أخرى للبناء. بعد استلامك المفتاح يتوجب عليك أن تنام مع عائلتك أعواماً على البلاط لأن تأمين المطبخ وغرف النوم وأثاث الصالة وكهربائيات التكييف والتبريد والإنارة تريد هي أيضاً حصتها من التكاليف، أي أنه يتوجب عليك تأمين ما بين مائة إلى مائتي ألف ريال إضافية.. ولكن يا أخوان ولكن.
أدخلنا صاحبنا بأرقامه في حالة هياج ورعب ثم أفقدنا عقولنا بلاكناته فاشرأبت أعناقنا إليه للاستزادة من المنغصات الاجتماعية. تنحنح وقال: يا أخوان يا كرام، لو حصلت بوادر انفراج في مسألة تمويل شراء الأرض وتكاليف البناء فسوف يترتب على ذلك ما يلي:
أولاً: أسعار قطع الأراضي المتوفرة سوف تنطلق إلى عنان السماء، فهذه هي الفرصة التي تنتظرها أسماك القرش من الملاك الكبار وتجار العقار.
ثانيا ً: مؤسسات التمويل البنكية والتورقية سوف تعصر المقترض حتى لا يبقى في رمقه سحبة نفس. نسبة الفوائد على القروض من كلا المصدرين سوف تتصاعد، لأن مؤسسات التمويل بشقيها سوف تقتنص بدورها هذه الفرصة في الحصاد الوطني، حتى لو اختلفت مسميات الوسائل.
فجأةً صرخ أحد الجالسين يا ساتر، إذاً ما هو الحل؟.
هنا تدخل صاحب الدعوة قائلاً: يا جماعة احمدوا الله أنكم لستم شباباً وإنما عواجيز، وأن كل واحد منكم قد أمن مسكنه الخاص قبل الطفرة أو في بداياتها، وأقول لكم تفضلوا على العشاء والله يعيننا على المستقبل وعلى مشاكل الشباب.
أحد الظرفاء اختتم الحديث بهذه الطرفة: اشترى أربعيني قطعة أرض مساحتها ثلاثمائة م2 كمشروع سكن فسأله صديقه: الله الله يا صاحبي، أصبحت من الملاك، بالله عليك من أين لك هذه الأرض؟.
صرخ الأربعيني في وجهه باللهجة المحلية: أرض؟ تسمي هذه قطعة أرض؟. يا أخي اذكر الله لا يسمعك أحد فيضربني عين.
تصوروا، المسكين يخاف العين على ثلاثمائة م2!!