فيما مضى من الزمن كنا نسمع أن أجدادنا يقولون لمعلم الكتاتيب «خذه وعلمه. لك اللحم ولنا العظم» فكان الهدف نبيلا والمعلم حنونا حنان الأب على أبنائه ولكنها وسيلة ترهيب موجهةللطفل كأسلوب تعليمي عفا عليه الزمن. وأنا هنا أخشى ما أخشاه أن الإدارة العامة للمرور هذا مبدؤها وهي تسلم أعناقنا لمعلم ليس بالحنون قطعا وبالتأكيد هدف الإدارة العامة للمرور في حالتنا هذه التعليم والمحافظة على مقدرات البلد البشرية والاقتصادية أما هدف المعلم وهو شركات ساهر جني الربح.
لقد كتبت مقالين فيما سبق مهللا ومصفقا لنظام ساهر وكلما احتد النقاش بيني وبين من أعرف عن نظام ساهر أشرت إلى إحصائيات المستشفيات فهي الشاهد الأكبر لنجاح النظام. ولا زلت عند رأيي. ولكن ما أدهشني هو ما تناهى إلى سمعي وقرأته لاحقا ملخصه أن مشروع ساهر مشروع استثماري تتكفل الشركات المشغلة له بتشغيله على أن تستوفي تكاليفه وربما (وهذه مني) أرباحه من المخالفات المسجلة على المواطن والمقيم.
هل من المعقول أن يكون الاستثمار على حسابنا؟ وهل من المعقول أن الدولة عجزت عن تمويل مشروع كهذا وهو مشروع حساس مولت الدولة وأنفقت بسخاء على مشاريع اقل منه أهمية مليارات ومليارات؟ وهل من المعقول أن تسلم جيوبنا إلى شركة هي الخصم والحكم؟؟
أعزائي يجب أن نفرق بين هدف الدولة و الشركات المشغلة. فهدف الدولة الحفاظ على المواطن والمقيم أما هدف الشركات المشغلة فهو تحقيق عائد على استثمارها فأطلقت يدها في تسجيل المخالفات وأبدعت في اتخاذ المواقع المناسبة وغير المناسبة لتسجيل المخالفات. فالهم الأكبر لها هو استعادة ما أنفقته بسرعة وتحقيق الأرباح بعد ذلك.
لا ألوم الشركات على ذلك فهي شركات ربحية ولو لم يكن الربح هو أهم أسباب إنشائها لما قامت أساسا. ولكني ألوم الإدارة الحكومية التي عجزت عن تأمين المبلغ المطلوب لإنشاء وتشغيل تلك الشبكة. وعجزت عن فهم هذا المبدأ البسيط وهو أن الدولة هي الضامن لحقوق المواطن والمقيم.
أدعو اليوم أن يعاد النظر في آلية تعويض الشركات المشغلة للمشروع فلا يجب أن تؤخذ تكاليفه من جيوبنا مباشرة بل يجب أن يسدد لها من ميزانية أي وزارة مختصة مباشرة ولا تربط أبدا أبدا بعدد المخالفات. فأمنا الدولة لن ترضى أن تعطي لحمنا لتلك الشركات. كما أطالب اليوم الإدارة العامة للمرور أن تنشر بصورة سريعة عدد المخالفات منذ إنشاء نظام ساهر والمبالغ المترتبة عليها وتقريرا كاملا عن الشركات المشغلة لها وكم استوفت تلك الشركات من قيمة المخالفات.
وأخيرا أنا أطالب أن يكون هناك حملة مرورية شاملة تثقيفية موجهة للعموم يصحبها مسح شامل لجميع الطرق في المدن التي يشملها نظام ساهر كبداية وبقية المدن كمرحلة ثانية للتأكد من استيفاء تلك الطرق لمتطلبات السلامة أولا ووجود اللوحات المرورية الإرشادية في مواقع مناسبة وواضحة للجميع.
أتمنى أن لا يفهم من مقالي هذا أنه اعتراض على ساهر كمبدأ فو الله أنه مشروع جبار أخفقت الإدارة العامة للمرور في تنفيذه، والوقت حتما ليس متأخرا جدا ولكن كل يوم له قيمته لكل مواطن ومقيم.