تغير المشهد السياسي في تونس ومصر وعاشت القنوات الفضائية أكثر من شهر وهي تتعاطى مع حدث التغيير بتغطيات تنوعت فيها القراءات وفندت الأسباب وطرحت التوقعات من خلال المحللين وأصحاب الرأي وكذلك صور الشارع ولم يبق سبب ممكن أن يكون منبع التحرك الذي حدث في مسرح تونس ومصر إلا وذكر وكان للأسباب السياسية نصيب الأسد في الأبواب التي طرقها جل المحللين بينما ذكرت القضايا الاقتصادية بنسب أقل وبتوصيفات بعناوين عريضة كالبطالة والفقر وغيرها مع محاولات لذكر حجم الدولتين اقتصاديا بأرقام عامة عن موارد الدولتين ونسب النمو ودخل الفرد ونسب الفقر والبطالة.
غير أن من تابع خطوات التحرك الذي أحدث هذا التحول الكبير في الدولتين كان منبعه اقتصاديا بامتياز فلم تنعكس كل أرقام التنمية التي كان يشار لها بأنها كانت كبيرة في تلك الدول على الفرد الذي خرج يطالب بأبسط حقوقه الوظيفة والعيش الكريم إذا هي بوابة الاقتصاد التي أحدثت التغيير لأنها كانت الأشد وهنا غير أن كل ما أحيط من أسباب التحرك الشعبي التي ذكرت لم تكن سوى نتائج لتردي الحالة الاقتصادية.
ولكن من المهم النظر إلى الصورة الكبيرة التي تشكلت بعد الأزمة المالية العالمية فمن يرى أن ما حدث بالدولتين العربيتين من تغيير هو الوحيد فإن ذلك بسبب أن التغيرات التي سبقتهما وحدثت بدول كبرى لم يكن بنفس الطريقة إنما كان بحسب آلية العمل المؤسسي بها فأول تغير بدأ حدث بأمريكا نفسها مصدر الأزمة عندما فضل المواطنون الديمقراطيون على الجمهوريين فسبب الهزيمة الحقيقية للحزب الأخير هو الحال الاقتصادية التي هزت اقتصاد أمريكا ولازالت تعيش تبعاته إلى اليوم بينما تحول البريطانيون من العمال إلى المحافظين بعد أن دخلت بريطانيا دائرة الخطر الكبير على اقتصادها وكذلك الحال في دول عدة غربية تغيرت فيها الحكومات لكن طريقة التغيير التي تنتهجها هذه الدول تكاد لا تشعرنا بأن تحولا وتغيرا يحدث فيها كونها تتم بطريقة سلمية وبحسب ما تفرضه دساتيرها لكنه بالمحصلة هو تغيير بأي شكل كان.
فقد فرضت الأزمة المالية العالمية تغييرات كبيرة منذ نشوبها بدأت بالأسواق المالية وأطاحت بكبرى المؤسسات والبنوك المالية ثم انتقلت لتضع دولا تعد من الاقتصاديات المتقدمة في حالة بائسة تحت وطأة ديونها السيادية ورافق ذلك تغييرات في ساسة تلك الدول واليوم تنتقل بآثارها إلى دول لم تكن طرفا فيها كمصر وتونس وغيرها ممن طالتهم الفوضى فارتفاع أسعار السلع الغذائية عالميا وانحدار مستوى النمو الاقتصادي بالدول الفقيرة التي لم تكن تتحمل مشاكلها قبل الأزمة حتى تستطيع مواجهتها بعدها سببا منطقيا لتفسير الأحداث الأخيرة والتي حذرت منها العديد من المنظمات العالمية كالأمم المتحدة التي طالما عبرت عن مخاوفها من الفوضى بالدول الفقيرة بعد الأزمة المالية العالمية.
ولكن عدم استعداد دول كمصر وتونس وغيرها لأي أزمات وعدم استغلالها للأوقات التي سبقت الأزمة في تحسين الأوضاع المعيشية لمواطنيها ونقل النمو الاقتصادي ليكون فاعلا ومؤثرا بدخل المواطنين أيضا الدور الأكبر فيما حدث من تغيير فكان جواب المواطنين على نتيجة اختبار الحكومات هي أن أعمالكم تقاس بنتائج خططكم الاقتصادية والتي لم تحقق سوى المزيد من التراجع والضغط على أحوال الناس المعيشية فجاء التغيير بشكل متسارع الذي كان منبعه أخطاء الماضي ووقوده تبعات الأزمة المالية العالمية التي لم يسلم منها إلا من احتاط وخطط لمستقبل اقتصاده بوقت مبكر وكان جاهزا ليس لتبعاتها فقط بل لتكون بداية قوية لانطلاقة نحو مراكز متقدمة قي سلم ترتيب الدول الأكبر اقتصاديا على مستوى العالم.