ذهب الغالبية إلى أن ما حدث في مصر شيء طبيعي وردود أفعال لأوضاع غير سليمة بالنسبة للحاكم، ولم تبدأ المطالبة بالتغيير من مصر ولا من تونس، بل شهدنا العديد من التغييرات والتشكيلات وإعادتها في حكومات في بلدان عربية وغير عربية وبلدان مجاورة وغير مجاورة. وتتم هذه التغييرات وتمر الأيام ثم تحصل تغييرات أخرى وتتغير الأسماء، إلا أن السياسات تظل كما هي وتظل الممارسات.
ويعود السبب إلى التغيير في المظهر وعدم التغيير في الجوهر، فعلى الرغم من التغيير تظل المؤسسة في تركيبها التقليدي وتظل معظم الأنظمة والممارسات إن لم يكن منظموها دون تبديل ولا تحوير، والنتيجة: تستمر المعاناة والمشكلات دونما حل.
ولقد ذكرنا في أكثر من مقال سابق أن المهم ليس تلميع المظهر الخارجي للدولة وتحسين علاقاتها مع الغير فقط، بل المهم «جذور» تلكم السياسات وعمقها الشعبي، بمعنى ما هي حصة المواطن البسيط من السياسة الخارجية لدولته؟ ومدى مساسها بشؤون حياته اليومية. في أعقاب تظاهرات 25 يناير كان هنالك مظاهرة لعمال قناة السويس الذين تبلغ دخولهم الشهرية 100 دولار للعامل الواحد، فأين أولئك طوال هذه السنين؟ هل كانت أوضاعهم أحسن من الآن ثم تردت؟ أو لم يجدوا الفرصة المواتية إلا بعد التظاهرات الشاملة؟ طبعاً المتوقع في المستقبل المنظور أن ثمة تغييرات سوف تحصل في مؤسسات متعددة، ولكن لا بد من تشريعات توضع وأنظمة تشرع وإجراءات تنفيذية تحدد. وإن لم يكن ذلك فستعود «حليمة» إلى عادتها القديمة. ها هم المعلمون التونسيون يتظاهرون مطالبين بمطالب كثيرة وينتقدون وزير التربية والتعليم ويناشدون بتطهير الوزارة من الفساد والمفسدين.
ومن ذلك نستنتج أن طريق الإصلاح طويل، وبالتأكيد ليس مفروشاً بالزهور والرياحين بل مليء بالأشواك، إذن ما العمل؟ هل نقول: «الصبر مفتاح الفرج» أو أن «طريق الإصلاح طويل». الأمر يدور برمته حول وجود المخلصين من الرجال بل ومن النساء. ولكن لربما يقال: إنه من الصعوبة وجود الرجال المخلصين والنساء المخلصات في زمننا هذا. في مقابلة أجريت «للرئيس المتنحي» مبارك، من قبل واحدة من محطات التلفزيون العربية من سنوات مضت، ذكر فيها شؤون وشجون الرئاسة، ومما ذكر صعوبة قيادة بلد مثل مصر؛ بسبب حجم سكانه الكبير ومحدودية موارده.
ويمكن أن نضيف إلى ذلك «جيوستراتيجية» بالغة التعقيد، تلكم «الجيوستراتجية» التي توزن بموازين تتكون من الموارد الطبيعية والبشرية والتفاعل فيما بينها، إضافة إلى مكونات المجتمع العامة منها والخاصة، ومن ذلك مؤسسات المجتمع المدني من نقابات واتحادات وما أكثرها عدداً وتنوعاً في مصر، ولكننا وجدناها لم تحرك ساكناً بل كانت من الأغلبية الصامتة. الانتخابات سواء الرئاسية والنيابية تتهم بالتزييف وأقل ما يقال عنها أنها غير نزيهة ومشكوك في مصداقيتها.
فإذا كان الأمر كذلك فماذا تبقى يا ترى؟ أمؤسسات عامة متخاذلة وديموقراطية عليها علامات استفهام كثيرة؟ عالمنا العربي يزخر بالديموقراطية «المشكوك» فيها وبالبرلمانات «الشبيهة» بالحقيقية فقط، وشعوب بلاد العرب ملت «وزهقت» من الوعود وأصيبت بالإحباط، فماذا عساها أن تفعل؟ النتيجة النهائية: انفجار في وجوه الجميع، ويبقى بعد ذلك التروي وإعادة الحسابات، أما الغرب الذي نقلده في كل شيء فيعمل بهدوء ويبني بمقتضى استراتيجيات قريبة المدى وبعيدته.