في عقود الزمن الأخيرة اتسعت المساحات وتوافرت وسائل الاتصالات وازدهرت الأمكنة بالطرق المذهلة وعابرات السمع المبهرة، وصار من السهل أن يكون الإنسان في بقعة من الأرض تبعد عن موطنه مئات الكيلومترات خلال ساعات والتي كان يقضيها بأيام وأسابيع، صار بوسع الإنسان أن يلتقي بصاحب أو صديق دون مشقة أو عناء السفر، والبيوت التي كانت لا تتسع لأكثر من عشرة أشخاص أمست تتربع على مساحات شاسعة وبنيان مرفوع حتى مد البصر وامتداد السحب، هذه المروج وهذه البروج المشيدة ترتع وتسطع بكل ما يتوخاه الإنسان من مشارب البذخ والفخر والاعتزاز، ولكن وهنا يمكن أن تحل النقمة من أتون النعمة.
الإنسان هذا الكائن الاستثنائي المتفرد في تطيره وتحديه وتطوره وتوقه باتجاه كل ما يغري الروح.. ويشخب الفؤاد.. الإنسان الذي لم يعد كائناً في زمان انشقعت فيه مزن وهطول، غشت العيون سحابات قاشية.. وانحطاط كوني لا مثيل له، وبعد العقود الماضية من الزمن تأفل الإرادة الواعية بقيمة العلاقات الإنسانية، يقول لي صديق توفي والده - رحمه الله - يقول: إنه يستغرب من بعض الأصدقاء والأصدقاء المقربين أنهم اختصروا المسافة جداً، حيث كانت تعازيهم تأتيه عبر المسجات. وقال مندهشاً: كيف تحول الحال وتغيّر الناس واضمحلت المشاعر وصارت النفوس لا تغني بشيء اسمه العلاقات الإنسانية. ثم يفسر الصديق هذا السلوك قائلاً بطبيعة الحال فإن الانفجار الكوني الذي أصاب الروح الإنسانية بفعل طغيان المادة سجل رقماً قياسياً في الجفاء، وانتماء الإنسان إلى حالة التشرذم الكارثية، لم يعد اليوم مفهوم العلاقات الإنسانية مطروحا بين كثير من الناس والسبب أن المادة عندما تكون هي الهوى فإن الروح تتلاشى، ويصبح الإنسان كائنا أجوف معطوب المشاعر، تخطفه المادة نحو غايات البؤس والشقاء اليومي واللهاث المجاني دون جدوى ومن غير إرادة فعندما تضيق الصدور لا ينفع اتساع المساحة أو ارتفاعها، والله المستعان.
- الحرس الوطني
m-2010-al@hotmail.com