على هامش مناسبة الاحتفال بتدشين كتاب جديد هو «المرشد في فن المناظرة» ترجمة د. عبد الجبار الشرفي من جامعة السلطان قابوس لكتاب صدر بالإنجليزية ل د. سايمون كوين من جامعة أوكسفورد بمبادرة تبناها مركز مناظرات قطر تحت مظلة مؤسسة قطر، شاركت مؤخرا في ندوة حلقة نقاشية عن «فن المناظرة»، ضمن مجموعة مختارة من إعلاميين وإعلاميات عرب من عدة دول عربية، تتمايز مواقفهم وتوجهاتهم بين تقليديين ومحترفين في الإعلام المقروء والمسموع والمرئي. كلهم مثقفون لامعون، وبينهم من يفضلون أن يسمون أنفسهم شجعانا معارضين وبينهم من يصنفهم غيرهم محترفين للابتزاز الإعلامي. وكل يحاول أن يثبت أنه الأفهم والأفصح في نقاشنا الحي؛ صورة مصغرة لحوارنا عربيا.
تكلم بعض المشاركين عن تجاربهم في الظهور على منبر الإعلام مفاخرا بفروسية مهاراته في التعبير والدفاع عن رأيه «الصحيح» رغم محاولة «قمع» الآخر له برأيه «المخطئ» و»المتحيز» و»المنحرف» والذي لا «يمثلنا».
وجزم بعضهم أن دولا بكاملها تعاديه شخصيا ما عدا نخبة من مثقفيها الذين يقدرون براعته وصدقه فيتخذونه صديقا شخصيا حتى وهم يرفضونه في دورهم كمسؤولين رسميين! وأراحني بعضهم بالتركيز في حديثه على عدم اتضاح مفهوم الحوار، عند العرب عامة والإعلاميين الشغوفين بحب الظهور والبروز خاصة، فهو إما جدال أو صراع أو حتى حرب ضروس وتبادل اتهامات متوهمة أصلا.
لفت نظري أن كل متكلم ومتكلمة كان يتحدث بصيغة الجمع حين يتكلم عما «يمثلنا» أو ما «يهمنا» أو «طموحاتنا» المشروعة: «هذا ما يهمنا» وهذا «ما نريد»!. تكلم بعضهم عن «الحرية» و»الديموقراطية» و» الرجعية»، وآخرون عن « الثوابت» و»الأمة» والتحضر و»القطرية» وتذكروا محاسن ومثالب فقداء البعثية والقومية والأخوية في إطار المرغوب فيه من موارد «الأرض العربية».. ولم يكن هناك تحديد لما نعني بهذه المصطلحات المتداولة بمعان وحدود مختلفة من جهة إلى أخرى.
تساءلت حين جاءني الدور عن أحقية ومرجعية أي منا في استخدام ضمير الجمع حين يتكلم عن مرئياته الشخصية وتفضيلاته لفئته الخاصة. وعن المصادر الإحصائية التي ينتقي منها المتكلم ما يشاء، ويتجاهل ما يشاء، لكي يبرهن على مصداقية استنتاجاته ومطالباته. وكيف أن الإعلامي وغير الإعلامي وحتى المسؤول أحيانا يظهر بصوت الخبير والمفتي في حين أنه يأخذ بنصف الآية أو نصف المعلومة ويلغي أدلة أخرى تعارض استنتاجاته.
قال لي أحدهم نصف جاد ونصف هازل: أنت مثيرة للجدل ! قلت جادة: بل أحاول أن أوضح لنفسي ما هو الهدف من الدخول في مناظرة تبث إعلاميا أو حتى تأتي في حوار بين فردين؟ أو تعليم فنونها وأدبياتها لأبنائنا منذ الصغر؟ أليس هذا ما جئنا لنبحث فيه حين نتكلم عن أهمية «فن المناظرة «؟
أليس الأهم من مهارات الجدل أن نحدد الهدف من ممارسته؟
هل هو لإفحام الآخر لأنه الجانب الذي نتجادل معه.. وقد نتبادل المواقف بعد حين في التقاء آخر، كما فعل ويفعل بعض نجوم منابرنا وشاشاتنا ومنظّرينا؟
أم هو لإظهار الحقيقة بشرط أن تقول كل الصدق؛ وليس فبركة، أو لصقا؟
أم هو للبحث معا وبتجرد وحيادية عن الحقيقة بغرض التوصل إلى أرض وسط وحل يرضى به الجانبان؟
أسئلة تناوبتني وأشارك قرائي فيها منتظرة إجاباتكم.
في نهاية اللقاء أصرت الإذاعية الماهرة خديجة بن قنة التي أدارت الندوة بمهارة أن تؤطرني مداعبة «مثيرة للجدل !» ربما لوجود الإعلامية فضيلة السويسي، التي تقدم برنامج «مثير للجدل» بقناة أبو ظبي، ضمن المشاركين.
وهي فرصة أن أشيد بما رأيت من معالم نهضة قطر ثقافيا وعلميا وحضاريا، وأن أشكر الدكتورة المميزة حياة معرفي المديرة التنفيذية لمركز مناظرات قطر على دعوتها الكريمة لي للمشاركة، والشباب المتطوعين الذين قاموا بمرافقتنا خلال الزيارة والصديقة العزيزة موزة عيسى إسحاق على احتفائها بي وإصرارها على اصطحابي في جولات استثارت إعجابي وفخرها بمنجزات وطنها.. بشهادة معالم قائمة توضح ببلاغة تطورا وبناء منظما.. تميز لا جدال فيه.