يعاني معظم المواطنين من عدم تملك سكن خاص بهم، ويعزون السبب إما لجشع التجار أو لتقاعس الدولة عن توفيره لبعض المواطنين خصوصا فئة الشباب ممن رواتبهم ضئيلة، ولا تكاد تكفي المأكل والمشرب والمواصلات. ولا زال كثير من المواطنين يطالبون الدولة بمنحهم أراضيَ داخل النطاق العمراني مع قروض حسنة لا تقل عن نصف مليون ريال. وحتى تتحقق المطالب فإنه جدير بالمواطن التفكير بطريقة منطقية لحل مشكلته الشخصية، ولا يظل ساخطا على تجار العقار متأملا نزول الأسعار أو منتظرا سعي الدولة حل المشكلة وتحقيق آماله وطموحاته. ولو جعل أمامه هدفَ تملك السكن لاستطاع ذلك، سيما أن هناك طرقا مختلفة يمكن للشباب استثمارها.
فلم يسبق أن قام أحد الشباب بالهجرة نحو السكن بالمدن الصغيرة أو القرى القريبة من مدينته الكبيرة بهدف الاقتصاد والادخار، والابتعاد عن حرج الارتباطات الاجتماعية التي تحمّله تبعات ومصروفات كثيرة. فإيجار السكن في المناطق النائية يقل عن تكلفة السكن في المدينة ويصل إلى حوالي الثلث، وكذلك الأراضي عادة تكون في متناول يد المدبر المقتصد. كما لم يفكر بعض الشباب بأسباب تلاشي الراتب من بين أيديهم ليبدأوا بتعلم كيفية التدبير في حياتهم المالية، لا لهدف تملك السكن فحسب، وإنما لأهداف أخرى كالعلاج والتعليم ومواجهة مفاجآت الحياة.وبينما يملك الشاب الوقت والجهد إلا أنه يكتفي بوظيفة بسيطة مردودها قليل، ولا يسعى لتحسين دخله بالبحث عن مورد آخر بدلا من السخط والضجر والشكوى!!
وبرغم حصول فرص سابقة لإمكانية الادخار أو تملك سكن مناسب، إلا أن الكثير لم يستغل فرصة رخص أسعار الأراضي والسلع الغذائية والاستهلاكية آنذاك. حيث كانت الطموحات تتسع وتكبر وتتوقف عند تملك منزل لا تقل مساحته عن 1000متر مربع وبمواصفات عالية التكلفة. وحتى عندما تغيرت ثقافة المساكن الكبيرة ذات المساحات الشاسعة واستبدلت بما يسمى (الدوبلكس) لم تجد قبولا كبيرا لدى شريحة كبيرة من المجتمع، وحينما اعتاد الناس عليها حلقت أسعارها عاليا، ولم يصبح بالإمكان امتلاكها ناهيك عن استئجارها، فاتجهوا لتملك الشقق، وهي ثقافة جديدة تنبئ عن تغير في مستوى التفكير فرضته الظروف الاقتصادية الحالية، ولاشك أنها تعد أحد الطرق المناسبة لتحسين الوضع المعيشي وتتناسب مع الدخل الحقيقي للفرد.
ولئن كان لدى شبابنا اليوم أمية في الادخار؛ فإنه قد حان الوقت لتعلمها ودراسة أبجدياتها، وتعليمها للجيل القادم ابتداء من العيش بعيدا عن الشكليات والكماليات، وانتهاء بالكف عن تقييم الناس بحسب مركبهم ومسكنهم وملبسهم، واستبدال هذه النظرة الضيقة بتقدير عقل الشخص ووعيه وكيفية تصرفه في ماله وتسيير أمور حياته دون هموم القروض، أو ذل الشكوى أو طلب الرفد من الوالدين أو الأقارب، أو انتظار الحلول البيروقراطية لأجهزة الدولة التي تتحمل جزءا من حصول هذه المشكلة، مما يستوجب حلها بزيادة مشاريع هيئة الإسكان، ومضاعفة مخصصات صندوق التنمية العقاري من الميزانية، والسعي لخفض أسعار الأراضي بدعم العروض في سوق العقار لكي يتوازن العرض مع تضخم الطلب حتى ينعم المواطن بسكن يليق به، ويتناسب مع دخله ومدخراته؛ مما يشعره بالاستقرار والهدوء وبناء أسرة مطمئنة.
www.rogaia.net