مدخل
لقد حققت الرياضة المدرسية في المملكة العربية السعودية تطوراً ملحوظاً خلال السنوات الماضية سواء من حيث إنشاء العديد من المنشآت الرياضية (مدن رياضية - ملاعب - صالات) في معظم المدن والمحافظات، أو في مجال الإنجازات الرياضية الإقليمية والدولية في بعض الألعاب الفردية والجماعية.
وأصبحت مظاهر حركة الرياضة المدرسية ضمن فعاليات النشاط الإنساني اليومي لعدد كبير من الطلاب، حيث نشاهد من حين لآخر تطور وارتقاء إنجازات اللاعبين السعوديين المدرسيين أفراداً وفرقاً، كما اتسعت أواصر العلاقات السعودية الرياضية على المستوى الأولمبي والقاري والعالمي.
أهمية الرياضة المدرسية
لم تعد الرياضة المدرسية بالنسبة لعدد كبير من الطلاب مجرد مشاهد ممتعة ووقت فراغ محبب، ولكن أصبحت وسيلة لرفع مستوى لياقتهم البدنية والذهنية، وهو ما ينعكس إيجاباً على صحتهم النفسية ويزيد من كفاءتهم الإنتاجية، حيث تحدث الرياضة نوعاً من التوازن بين الجوانب البدنية والروحية والعقلية، ولذلك فإن الهدف من وضع إستراتيجية اقتصادي رياضية للمجتمع، هو تحقيق النمو والارتقاء بمستوى حياة الأفراد مادياً وثقافياً وتحقيق فرص أفضل للنمو والإنتاجية.
اقتصاديات المستقبل للطلاب
ينبغي على الهيئات والمنظمات الرياضية أن تعطي اهتماماً أكبر لاقتصاديات المستقبل في عملها، لأن النجاح في حل معظم مشاكلها يتوقف على جانب التمويل وإدارة المشروعات، وفي هذا السياق، يقول د. عزت كاشف، في كتابه (اقتصاديات التربية البدنية): إن علم الاقتصاد وتطبيقاته في المجال الرياضي وثيق الصلة بالعلوم الاجتماعية التي تقوم على دراسة سلوك الأفراد في توزيع الموارد النادرة من صالات رياضية وملاعب وأجهزة وأدوات العلاج الخاصة بالإصابات الرياضية، والتي تعتبر ذات استعمالات بديلة بين أهداف متعددة تسعى لإرضاء وإشباع الحاجات المتنوعة للممارسين.
ولذا قيل إن أبعاد المشكلة الاقتصادية في المجال الرياضي تتحدد في حاجات متعددة للأفراد الممارسين للرياضة حسب الزمان والمكان في مواجهة موارد محدودة نسبياً، بمعنى أن علم الاقتصاد في المجال الرياضي يدرس الفرد والبيئة التي يتعامل معها، فالفرد يمثل الحاجات الاقتصادية بينما البيئة تمثل الموارد الاقتصادية.
إن طبيعة الطالب الممارس للرياضة تتميز بأن لها رغبات إنسانية متعددة وغير محددة؛ فمن الواقع العملي، يهدف الطالب من وراء تلك الممارسة إلى أن يكون صحيحاً بدنياً ومقبولاً اجتماعياً ولا مانع في أن يصبح بطلاً رياضياً. وبعد تركه ممارسة الرياضة يسعى لأن يكون مدرباً مشهوراً أو إدارياً مرموقاً أو عضواً لمجلس إدارة أحد الأندية أو الاتحادات الرياضية.
ولذلك فإن رغبات الطالب تبدو متداخلة ومتشابهة، ومن ثم فإن تحقيق رغبة لا يمكن أن يتم إلا بتحقيق رغبة أخرى. وهذا يعني أن رغبات الطالب الرياضي رغبات متنوعة، كلما أشبع رغبة منها ثارت في نفسه رغبات جديدة تتطلب أنواعاً أخرى من الإشباع. وعادة ما يتم تحقيق هذه الرغبات بالقدر المتاح للفرد من الموارد الاقتصادية.
وإذا كانت الموارد الاقتصادية ذات الصلة بالرياضة والتي يمتلكها الفرد أو الجهة الإدارية الحكومية ذات العلاقة بشؤون الرياضة في المجتمع، متوافرة بكميات غير محدودة، وهو أمر نسبي، فلن تكون هناك مشاكل، لأنه في تلك الحالة سيتم تحقيق معظم رغبات الأفراد.
بينما على عكس ذلك، إذا كانت الموارد نادرة بحيث لا يكفي الموجود منها لتحقيق رغبات معظم الأفراد، هنا تظهر المشكلة، ويصبح من الضروري التدخل للمفاضلة بين تلك الرغبات والحاجات المتعددة. ولذلك فإن جوهر المشكلة الاقتصادية في المجال الرياضي تنشأ عند الحاجة إلى الاختيار بين البدائل المتاحة للموارد الاقتصادية النادرة.
وهنا نجد أن متخذ القرار في الهيئة الرياضية، ونتيجة ندرة الموارد الاقتصادية، يضطر إلى التضحية برغبة بعض الأفراد، في مقابل سعيه لإشباع رغبات باقي الأفراد.
كلمة أخيرة
إن دراسة اقتصاديات الرياضة المدرسية يعتبر واحداً من الحلقات المتكاملة لدراسة علم الاقتصاد، والذي يتضمن بالتبعية دراسة علوم أخرى مساعدة لتسهم في الارتفاع بمستوى الإعداد التخصصي لطلاب المدارس والجامعات بهدف ترقية وتطوير معلوماتهم ومهاراتهم في هذا المجال.
ومن ثم، فإن هناك حاجة ملحة وضرورة عصرية للاهتمام بدراسة العلاقات الاقتصادية في مجال الرياضة المدرسية، وذلك من خلال منهج الإدارة الرياضية ومنهج المنشآت الرياضية الذي يدرس بالكليات الرياضية المتخصصة.
* * *
المستشار الاقتصادي وعضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية