قال الله تعالى في كتابه العظيم: في سورة النحل الآية الكريمة: {وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْاْ مَاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ خَيْرًا لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ } (30) سورة النحل.
وفسر الإمام الجليل ابن كثير هذه الآية فقال: (هذا خير عن السعداء هؤلاء قالوا خيرا، أي أنزل خيرا، أي رحمة وبركة لمن اتبعه وآمن به، كقوله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} (97) سورة النحل، أي من أحسن عمله في الدنيا أحسن الله إليه عمله في الدنيا والآخرة، ثم أخبر بأن دار الآخرة خير أي من الحياة الدنيا، والجزاء فيها أتم من الجزاء في الدنيا).
نعم هي إرادة الله في خلقه، لمن التزم بإيمان رسالة الإسلام السماوية باعتبارها نور السماء ونور الخالق العظيم تبارك وتعالى.
لذلك من الإنصاف أن يتحدث كل مواطن على أرض المملكة العربية السعودية مهبط الرسالات السماوية بكل إخلاص وتقدير عن رسالة الثقافة الإسلامية التي أوجدت طريق الخير والسعادة لمجتمعنا الإسلامي الذي يعيش على هذه البقعة المقدسة، عن منهج الثقافة الإسلامية في الماضي والحاضر والمستقبل.
ونشاهد في هذا المرحلة مدى اهتمام وزارة الثقافة والإعلام التي يتولاها الدكتور عبدالعزيز بن محيي الدين خوجة في كل يوم على مدار السنة وهو يكرم رجال العلم والثقافة في المملكة وفي كل مدينة أو محافظة، باعتباره صاحب المبادرات الثقافية والأدب والصحافة المقروءة والمسموعة والمرئية والتي عاشتها مدن المملكة في الماضي والحاضر وهو يرعى كل أمسية وكل ندوة تقام بهذه المناسبة على أرض المملكة بهدف إثراء حياتنا الأدبية والثقافية والإعلامية بهدف تخليد تراثنا وتاريخ ثقافتنا وحضارتنا الإسلامية التي يعيشها رجل الثقافة والأدب والعلم.
إن رأس كل ثقافة حر: «الدين» بمعناه العام وهو فطرة الإنسان التي تتغلغل في بنيان الإنسان وهو شأن كل جيل من الناس، وكل أمة من الأمم كان لها لغة وكان لها ثقافة ولها حضارة تقوم على لغتها وثقافتها لأنها (الأصل الأخلاقي) لشمول الأدب والمعرفة والعلم والتي حافظت على ثقافتنا الإسلامية وتماسكها منذ نزولها على رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم به ما ينوف مدة أربعة عشر قرناً.
وتاريخ شبه جزيرة العرب هو تاريخ الإنسان العربي وتاريخه الإسلامي وتحدثنا كتب التراث الإسلامي التي خطها صحابة رسول الله عليه الصلاة والسلام بأن شبه الجزيرة العربية كانت ملتقى أفئدة العرب جميعاً، وأن رسول الله الكريم من سلالة الإنسان العربي من مدينة مكة المكرمة التي أقيم فيها البيت العتيق، وهو أول بيت وضع للناس وهو البيت المقدس من رب العزة والجلال فهو بيت الإنسانية، رفع قواعده أبو الأنبياء والمرسلين سيدنا إبراهيم عليه السلام وفيه آيات بينات، ومقام إبراهيم الخليل ومن دخله كان آمناً وقد حمل رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الإلهي رسالة الإسلام ورسالة المحبة وهي تدعو الإنسانية عامة لتؤمن بهذا الدين القويم، لذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلة أنظار المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.
لقد جدد الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه مكانة الإنسان العربي في الإسلام بثلاث فضائل، (الدين والمرؤة، والشرف) وقال رحمه الله: (وإذا ذهبت واحدة من تلك الفضائل سلبته معنى الإنسانية).
لذلك كانت رسالة السماء أول لبنة من لبنات تأسيس الدولة السعودية الحديثة، وكانت ثمرة جهاد لتحرير شبه الجزيرة العربية من الكفار والمشركين الذين عارضوا رسول الله عليه الصلاة والسلام في أول الأمر وقامت الحرب في مكة بين التوحيد والشرك، وبالتحديد بين رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم باعتباره يحمل لواء صلاح الدين وبين قبائل قريش المشركة بالله وبذلت قريش قوتها ومالها لتمنع أنتشار الخير عن الدنيا فرسالة الإسلام لم تكن خاصة - بمدينة مكة - كما أنها لم تكن لبلد واحد ولا لطائفة معينة، بل كانت شاملة لكل الإنسانية على وجه الأرض.
وهنا أكدت كتب التراث الإسلامي بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للمشركين: (افتحوا لي الطريق لأخرج إلى الأرض الفضاء، فانصر الضعيف، وانجد المظلوم، وأعيد للبشرية كرامتها، وللعقل سلطانه، لقد نزلت الكثير من الآيات القرآنية على رسول الإسلام عليه الصلاة والسلام لغاية التعريف بالإسلام ومبادئه وأخلاقه وبالرسول المصطفى صلى الله عليه وسلم تعريفاً مقنعاً يستأصل الريب فيها وبخاصة عندما أراد المشركون - على عادتهم أن ينقلوا ميدان الجدل من حقيقة الدين إلى شخص الرسول الكريم وإلى أصحابه رضوان الله عليهم فقال تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَن مَّعِيَ أَوْ رَحِمَنَا فَمَن يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ، قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ } (28 - 29) سورة الملك.
وعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم أصول الدعوة الإسلامية وآدابها في قوله تعالى: {قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ(161) قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163) قُلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ(164)} سورة الأنعام.
لقد قام رسول الشريعة الإسلامية محمد صلى الله عليه وسلم بالدعوة الخالصة لدين الله الواحد عند المسلمين في جزيرة العرب وعند الذين يتكلمون بلغة الضاد خاصة ولهذا أقام المسلمون والعرب أجمعون حرمة تدفعهم إلى التغني بآثارهم الماضية والإشادة بقديم مجدهم وبلغتهم العربية وبرسالة ثقافتهم التي ترسم أخلاقهم الأصيلة، وأضاءت ثقافة الإسلام النور الكامل للإنسان للسير في ميدان الحياة بكل وضوح وملأت الكون البشري نوراً وإشراقاً إلى المدن الأوروبية حاملاً رسالة الإسلام وعلومها الثقافية وشرائع هذا الكون الإلهي وأنظمته وتطبيق قواعد حرية الإنسان وحقوقه الإنسانية ومساواته بين المجتمعات، لذلك أيقظ هذا الدين السماوي المتسامح كل المجتمعات الغربية والشرقية من سباتها واستفادت هذه المجتمعات من قواعد الإسلام لتعمل في طريق المدنية والعمران وعلوم التراث بفضل الله ثم بفضل مبادئ الإسلام وشرائعه العظيمة.
من خلال مطالعة الكتب الإسلامية التي أخذها الخاصة والعامة للوقوف على محاسن ثقافة الدين الإسلامي، وكانت الرسالة السماوية ملجئاً للبشرية وأحكامها متفرقة ومفصلة ليفهمها الناس على اختلاف الوانهم ومشاربهم فمنهم الأبيض والأسود والأحمر، ليتمكنوا في العمل بهذه البشرى الإلهية في هذا الدين العظيم من غير حرج ولا مشقة.
ولذلك باستطاعة أمة الإسلام أن تستيعد مركزها الحضاري في هذا العالم وتستعيد كل حقوق الأمة الإسلامية، وبهذا الإيمان الكبير سنكتب صفحة أمجادنا وثقافتنا في التاريخ والحضارة مرة أخرى وبصورة نقية بيضاء. لأن شريعة الإسلام لم تكن من مخلفات الماضي على الإطلاق بل هي ثوابت مستمرة وثقافة عالية واضحة المعالم.
ويفتخر كل مسلم مؤمن بما وصفه لنا الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام من آداب للحكم ونظام للتعامل مع الآخرين إلى مبادئ للسياسة والثقافة والعلاقات الدولية وقواعد ثابتة لمجتمع الإنسانية.
إن المنصفين من المستشرقين الغربيين يعترفون للمسلمين والعرب بسبقهم إلى وضع العديد من العلوم التراثية العصرية، التي كان يقال: إن الغربيين هم الذين أحدثوها على غير مثال سابق، ولقد رأيناهم ينوهون بأسماء ابن خلدو، والشيباني، والفارابي، وغيرهم ويعنوهم في مؤسس العلوم والحضارة الثقافية وهي تزكي الخلق الحسن في المسلمين عامة، ويلهب الشعور الخالص لدين الله سبحانه وتعالى، ليغزي باعتناق الحق والوفاء لرسولنا العربي العظيم عليه الصلاة والسلام.
وهنا أردد ما قاله وعبر عنه أمير الشعراء أحمد شوقي رحمه الله ولهذا التراجع الكبير الذي تعرض له الإسلام وشريعته السماوية في القرون الماضية بعد التوسع الكبير الذي بلغه في عهد الخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم بما أصاب العالم الإسلامي بواقع أليم حيث وقف شاعرنا العربي أمام قصر الحمراء في غرناطة ونقل أحاسيس كل المسلمين في بقاع المعمورة، وكانت كلها أحاسيس الأسى والحزن العميق على هذا المجد الخالد الذي شيده المسلمون بدافع الدين والعقيدة الإسلامية السماوية طيلة ثمانية قرون فقال:
(أنادي الرسم لو ملك الجوابا
وأجزيه بدمعي لو أثابا)
(وقل لحقه العبرات تجري
وإن كانت سواد القلب ذابا)
(لها حق، وللأحباب حق
وشقت وصالهم فيها حبابا)
(وداعاً أرض أندلس وهذا
ثنائي إن رضيت به ثوابا)
(وما أثنيت إلا بعد علم
وكم من جاهل أثنى فعابا)
(وأن المجد في الدنيا رحيق
إذا طال الزمان عليه طابا)
(أولئك أمة ضربوا المعالي
بمشرقها ومغربها قبابا)
(وقد غشي المنار البحر نوراً
كنار (الطور) جللت الشعابا)
(ولولا البر لم يبعث رسول
ولم يحمل إلى قوم كتابا)
وإلى حلقة ثانية للحديث عن مؤسسات المملكة العربية السعودية الثقافية والتي تعمل لخدمة الوطن السعودي ضمن حضارة الإسلام وأخلاق المجتمع الإسلامي.