عن كثب راقبت بدقة شديدة تجربة الانتخابات في مؤسسة حجاج دول جنوب شرق آسيا في جميع السنوات الماضية منذ أن بدأت التجربة. نعم، هي بالفعل تجربة جيدة، رائدة، ومطلوبة، لكن مع الأسف الشديد لا بد وأن يتم تقييمها، ومن ثم تقويمها من قبل الجهات المعنية بعد أن ظهر الكثير الكثير من العيوب والأخطاء والتجاوزات التي وقعت في معظمها، نعم، قد لا أجافي الحقيقة إن قلت بذلك جازما.
المشكلة لا تكمن وحسب، كما أسلفت، في ضعف الثقافة الانتخابية وتركيزها على عاملي القرابة والصداقة وتوقع المكاسب، وإنما في منظومة ضرورة، بل وحتمية خيار انتخاب المجموعة المتقدمة للترشح ككل، التي فيها ما فيها من صالح وطالح وفقا لحقيقة الفروقات الفردية، وذلك عوضا عن ضرورة وأهمية اختيار الفرد كشخص سواء من حيث الخلق والكفاءة والفاعلية والخبرة.
إذ في اعتقادي أنه من الضروري أن يترشح الفرد بمفردة للمناصب القيادية في المؤسسة بداية من منصب رئيس المؤسسة، وآخر لمنصب نائب الرئيس، بل ولا بد وأن يوجد منصب لأمين عام المؤسسة، ومن ثم مناصب لأعضاء مجلس الإدارة. بمعنى أن كل فرد من أفراد الطائفة المؤهلين للتصويت يحق له أو لها اختيار الأفراد المرشحين المتنافسين على مختلف المناصب بشكل منفرد لا بشكل جماعي.
نعم، أعتقد أن منظومة الترشح ومعها منظومة الاختيار في حاجة ماسة لإعادة النظر والتنظيم كي يتم اختيار الأفضل والأكفأ علما وخلقا وخبرة لكافة المناصب القيادية في مؤسسات الطوافة. نعم، إما هكذا أو يعاد النظر في التجربة الانتخابية ككل واضعين في الاعتبار مخاطرها الجمة على النسيج الاجتماع من جهة، ومن الجهة أخرى على حقوق المطوفين المادية والوظيفية.
السبب الرئيسي -حسب اعتقادي الشخصي لفشل تجربة الانتخابات في مؤسسات الطوافة- أن الثقافة الاجتماعية والسياسية لمجتمعنا لا زالت تتعارض كثيرا مع هذه التجربة الانتخابية، لربما تعارضا شبه كلي. فلقد رأينا في السنوات الماضية ما حدث من منافسات مكلفة ماديا واداريا واجتماعيا بداية من شراء للأصوات، والاتفاقيات الخاصة والتحالفات الجماعية، ومن ثم الإنفاقات المالية الضخمة خصوصا على الولائم العامة والخاصة، قبل، ومن ثم في خضم الانتخابات، وما يتلوها من تقديم للمكافآت والتعويضات لمن وقف في هذا الفريق، والعكس تماما لمن وقف ضد الفريق الفائز.
حاليا نسمع عن مجموعة متقدمة للترشح في الانتخابات القادمة باع رئيسها أراضيه بملايين الريالات وهو على كافة الأهبة والاستعداد لينفقها للفوز في الانتخابات القادمة!!
ولنسأل أنفسنا: لم هذا الحرص المطبق على الفوز في الانتخابات؟ ومن الذي سيعوضه عن خسائره المادية؟ ومن ثم كيف سيعوض خساراته؟ بل ومن أين؟
رأينا مع نهاية كل انتخابات: كيف تبدأ سياسات تصفية حسابات الأرباح والخسائر بين المجموعات على كافة المستويات والأصعدة الفردية والجماعية (الأسرية) مع المطوفين وأبنائهم وأقاربهم بداية من توزيع المكاتب، ومن ثم التعيين في الوظائف الإدارية الموسمية وغير الموسمية، وأخيرا إلى كيفية التعامل الشخصي مع ممثلي البعثات الدبلوماسية تحديدا مندوبي الشركات لفئات الحجاج (الفي أي بي) المهمين.
الأمر مرهون برمته في ضرورة الحفاظ على الاستقرار الاجتماعي ومن ثم الوظيفي والاداري وأخيرا الكفاءة المادية. لكن أعتقد في رأيي الشخصي أن سياسة التعيين من قبل معالي الوزير هي السياسة والحل الأفضل، أو على الأقل، يتم تعيين رئيس المؤسسة مع أربعة أعضاء من قبل معالي الوزير، ومن ثم تجري الانتخابات على مستوى نائب رئيس المؤسسة على حدة، وبقية أعضاء مجلس الإدارة بشكل منفرد حتى يتحقق هدف التوازن، ليس وحسب منعا للفساد والمحسوبية، وإنما لضمان حقوق المطوفين والمساهمين وأسرهم.