عند قراءة التطور الأكاديمي بالجامعات السعودية يمكن القول بأن أحد المؤثرات الرئيسة فيه أتت عبر فرض بعض التوجهات الدينية عليه بأكثر من طريقة، كتلك التي فرضت في مجال المناهج والبرامج الجامعية والتي يمكن تلخيص أبرز معالمها في التالي:
1) أسلمة بعض العلوم ومنحها اسم اللاحقة «الإسلامية» حيث ظهر علم النفس الإسلامي والطب الإسلامي والاقتصاد الإسلامي والقانون الإسلامي والأدب الإسلامي والعمارة الإسلامية والإعلام الإسلامي وغيرها.
الهدف من التصنيف الإسلامي هو إحكام النظريات والتوجهات والاستنتاجات لتلك العلوم للقواعد الإسلامية أو ما يراه القائمون عليها بأنه الإسلامي الصحيح، حتى ولو كان في ذلك حذف تدريس بعض النظريات العلمية. وهكذا يوجه العلم بكامله أيدلوجياً، وبالتالي تنمى عقول الناشئة على أدلجة العلم والتشكيك في كثير من النظريات الحديثة، وذلك بدلاً من تنميتها على التنوع وتحكيم وإعمال العقل والاحتكام إلى المنطق العلمي.
2) رفض تدريس بعض العلوم اعتماداً على مواقف مسبقة منها، مثل رفض تدريس الفلسفة أو الفنون، أو القانون بحجة أنها تتعارض مع مبادئ المدرسة الدينية السائدة، فالفلسفة وعلم المنطق متهمة بأنها تعمد المبالغة والإيغال في طرح أسئلة وجودية تقود إلى الشك في بعض المسلمات الدينية. وترى المدرسة الدينية أهمية أخذ ما جاء به السلف الصالح دون تحليل عقلي؛ لأنها محكومة بالنصوص أكثر من تحليلها. كما أنه وبحكم أن الشريعة هي التي تقوم مقام القانون الذي تصنفه المدرسة السلفية بأنه علم وضعي (من صنع البشر) وليس إلهياً (جاءت به الشريعة) فإنه لا يحبذ تدريسه. وقد اضطرت بعض الجامعات -حتى عما قريب- إلى تسمية أقسام وكليات القانون باسم الأنظمة أو الأنظمة والإدارة تجاوزاً لرفض تدريس القانون. والموسيقى هي الأخرى مرفوضة من قبل المدرسة المتشددة، وبالتالي لا تدرس في السعودية.
3) فرض مواد دراسية إسلامية، فعلى سبيل المثال جميع الجامعات السعودية مجبرة على تدريس ما لا يقل عن ثلاث مواد إسلامية لطلابها بغض النظر عن تخصصهم، بل إن بعضها مثل جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية تفرض على الطلاب -سواء طلاب البكالوريوس أو الدراسات العليا- حفظ أجزاء من القرآن الكريم. وبالطبع ليس غريباً وجود مواد إجبارية لجميع الطلاب تحت مسمى متطلبات الجامعة؛ لكن حجم ذلك ونوعيته يفترض أن تقرره كل جامعة؛ ونجد بعض الجامعات العالمية تحبذ وضع مواد تتعلق بالتاريخ الوطني.. لكن ولأن المدرسة الدينية السائدة تعلي شأن الأمة الإسلامية فوق شأن الوطن فإنه لم يفرض أية مادة وطنية إجبارية بالجامعات السعودية. هذا أمر طبيعي فحتى وقت قريب وربما لازال هناك من يرفض الاحتفال باليوم الوطني والنشيد الوطني، ولازال بعض الشباب السعودي المتحمس لقضايا الأمة يحارب في كثير من دول العالم حتى ولو لم يكن لبلاده، السعودية، ناقة ولا جمل في تلك الحروب أو حتى ولو كان في ذلك تعارض مع مصلحة بلاده العليا. بعض تلك المواد تحمل فكراً مؤدلجاً يأتي مختلفاً أحياناً حتى مع ما يحدث داخل البلد؛ فعلى سبيل المثال لو أخذنا مادة النظام السياسي في الإسلام وهو أحد المناهج الإسلامية المفروضة بجامعة الملك سعود، نجده يفرد جزءاً كبيراً لمناقشة الموقف الإسلامي من الاتجاهات المعاصرة ليصل إلى نبذ مفاهيم مثل الديموقراطية والانتخابات وحقوق الإنسان وغيرها بحجة أنها صناعة غربية قام بها البشر.
بالرغم من أنه أوجدت في السعودية مؤخراً لجان لحقوق الإنسان وأجريت انتخابات بلدية وغير ذلك.