يكفي نظرة متأنية لما بثته قنوات التلفزيون السعودي الأيام الماضية لنرى الصورة كاملة عفوا أقصد الكارثة كاملة التي لحقت بجدة، فقد كانت الصور تتناثر هنا وهناك في الصحف والمنتديات الإلكترونية والمدونات ومواقع التواصل الاجتماعي لترسم منظرا شموليا نرى من خلاله سيارات تعانقت وأرصفة ذابت..
..ومشاريع غابت وشوارع تكسرت وسدودا انهارت، والمشاريع الإنشائية التي فرح بإعلانها المواطن والمقيم هناك تحولت إلى ورق ذاب تحت الماء، بل إن نفق الملك عبدالله بحي الشرفية لم يسلم من الغرق، فغابت معالمه بشكل كامل يصعب على من رآه أن يقول هذا «نفق»...!، فقد أذابت العاصفة الماطرة في ساعات قليلة، كل مشاريع التسويف، وأحلام المخططين وتقارير اللجان السابقة، لنكتشف أن جدة فعلا «غير»، عندما تحولت شوارعها الفسيحة إلى مخازن كبرى لمياه الأمطار، وجسورها الكثيرة تحولت إلى مطلات تجمهر عليها الكبار قبل الصغار لمراقبة المشهد المأساوي.
ولم يخفف علينا ذاك المصاب الجلل إلا الأمر الملكي الذي أعلنه التلفزيون السعودي فور حدوث كارثة جدة الذي كان واضحا ودقيقا في تشخيص مأساة إخوتنا هناك، عندما كرر بشكل واضح مصطلحات لها مدلولاتها الخطيرة في سياق تشخيص الكارثة المتكررة: (الجهات المقصرة) و(من تأخر) و(الأمر الخطير) و(يحاسب بشدة) و(من يتهاون)، ويكفي قول خادم الحرمين الشريفين حفظه الله: (وعلى جميع الجهات المختصة العمل ليلاً ونهاراً لإنهاء هذا الأمر).
وزادنا طمأنينة وراحة تصريح أمير منطقة مكة المكرمة الذي اعتبره المراقبون مؤشرا مهما نحو تنفيذ الأمر الملكي لسلامة جدة عندما قالها صريحة: «الذين خططوا مدينة جدة وأقاموا شوارعها منذ بدء التخطيط وحتى هذا اليوم كلهم مسؤولون عما جرى من أضرار جراء الأمطار والسيول». نعم وبكل شفافية الكل، نعم الكل مسؤول أمام التأريخ والوطن، خاصة وأن المشهد المأساوي الذي بدأ يوم الأربعاء في 1430هـ، وتكرر ثانية أواخر العام الماضي، ثم عاد من جديد بشكل مؤلم وخلال هذا العام، عندما شهدت جدة هطول أمطار غزيرة نتج عنها تضرر عدد من الأحياء السكنية.
ومما يزيدنا -جميعا- أملا في الخروج من هذه الكارثة هو تكليف نائب خادم الحرمين الأمير سلطان للأمير نايف برئاسة لجنة أزمة من الوزراء المعنيين بهذه المشكلة والتحضير لعرض دراسة لجميع الأمور المتعلقة بتصريف السيول ودراسة العقود السابقة والمبالغ المرصودة لكل جهة لمعرفة ما يمكن عمله عاجلا وما هي الأمور التي يجب عملها فورا، بما يضمن للوطن عدم تكرار مثل ذلك مستقبلا على أن يكون الاجتماع لدراسة الموضوع من جميع جوانبه في منطقة مكة المكرمة حالياً وجميع مناطق المملكة مستقبلا وإيجاد الحلول الناجحة والعاجلة وسرعة ذلك، ورفع تقرير عاجل لخادم الحرمين الشريفين ونائبه بما سوف يتخذ ومعالجة الوضع بشكل جذري يشهد بنجاح إداري سعودي في مواجهة الفساد الإداري والمالي الذي تسبب في غرق جدة.
وأخيراً من خلال رصد شخصي لتطورات هذه الكارثة ودوائر تفاعلها على مستوى مؤسسات الوطن أقترح على أميرنا المحبوب قائد فريق الأزمة الأمير نايف ضرورة إنشاء هيئة سعودية لإدارة الأزمات تقي وطننا الغالي من الأخطار الطبيعية والظواهر الكارثية باستباقيتها والوقاية منها أو بإدارتها بأسلوب علمي ومهني يعتمد على دراسات وإستراتيجيات، مما يمكن هذه الهيئة من العمل كخلية تفكير شمولي من خلال تحليل المخاطر والوصول إلى مرحلة التكيف الإستراتيجي، مما يجعل من تلك الهيئة المرتقبة جرس إنذار يبلغ عن الأزمات المحتملة ويضع تصورات وحلولا مقترحة تمنع من حدوث الأزمات القادمة أو على الأقل تحد من أضرارها بتقديم المعلومات اللازمة أمام المسؤولين لاتخاذ القرارات الصحيحة، التي تضمن لنا السلامة والخروج بهذا الوطن من أزماته المتكررة.