قبل سنوات قليلة كان المتخصص في اللغة العربية عملة نادرة في سوق العمل تسعى كل الجهات الحكومية للظفر بخدماته. كان الطريق مفروشاً أمامه بالورود، فالخيارات متنوعة والفرص كثيرة.
أغلب العجز الذي تعانيه المدارس آنذاك يتركز في استحالة توفير مثل هذه النوعية من المعلمين والمعلمات إلا باللجوء إلى التعاقد من الدول العربية الشقيقة.
اليوم تبدلت الأحوال، فأصبح خريج اللغة العربية رقماً جديداً يُضاف إلى قوائم البطالة الطويلة وصفوف القاعدين في البيوت دون عمل وبات هذا الخريج غير مرحب به بسبب ذنب لم يرتكبه وأخطاء لم يقترفها.
حولتهم ماكينات الإنتاج الجامعية إلى سوق العمل دون وعي كاف بمتطلبات واحتياجات السوق ومتغيراته ونوعية المهارات ذات الرواج الأكثر وكأنما أسهم سوء التخطيط وانعدام المواءمة بين المخرجات الجامعية وما يطلبه سوق العمل فيما حدث.
أضيفت مشكلتهم إلى أرشيف المشكلات التي يعانيها نظام التوظيف الحكومي! من يتحمل مسئولية الزج بخريجي اللغة العربية في هذا المصير مجهول المعالم، هل هي الجامعات بفتحها باب القبول على مصراعيه دون دراسة واعية لواقع السوق ومستقبلياته، أم وزارة الخدمة المدنية بسلبيتها وتفرُّجها على عشوائية التعيينات في الجهات الحكومية، أم وزارة التربية والتعليم وهي أكثر جهة تتجه نحوها خطوط الإنتاج الجامعية؟ هل تبخرت أحلام ما يقارب الاثني عشر ألفاً من خريجي أقسام اللغة العربية في الجامعات السعودية ومُزقت أوراق قضية توظيفهم مناصفة بين الجامعات مصدر إنتاجهم والدافع بهم إلى سوق العمل بعشوائية ووزارة التربية والتعليم أكثر المستفيدين من خدمات الخريجين، وهي الجهة الرافضة للإنصات والاستماع لمطالبهم رغم حضورهم مرات ومرات لمبنى الوزارة بالرياض، ليُستقبلوا في كل مرة بلوحة عريضة كُتب عليها: «لا نحتاج لتخصصكم» فإلى أين يذهبون؟ تخلت الجامعات عنهم بعد أن ورطتهم ولم تحسن توجيههم ومساعدتهم في اختياراتهم ورفض أكبر سوق يمكنه استيعابهم استقبالهم، فهل يدفع الخريجون ثمن سوء التخطيط وانعدام التنسيق بين الجامعات وقطاعات الدولة المختلفة؟ وهل تكتب الوزارة برفضها لهم في صحيفة كل واحد منهم عاطلاً عن العمل ليستمر أعداد العاطلين بالتزايد، وخصوصاً إذا علمنا أن أكثر هؤلاء قد تخرجوا من سنوات قد تصل إلى الست، وهي مدة كافية ومبررة لوصفها بالعمر الطويل الذي يُسلب من الإنسان دون عمل يُؤمِّن له المعاش ويكفي لمساعدته على تدبر أمور حياته ومستقبله وبلا فرصة حقيقية تمنحه الحق في خدمة مجتمعه؟ وماذا عن أخطاء وزارة التربية والتعليم المتراكمة عبر السنين الماضية بتعيين خريجين من تخصصات الشريعة وأصول الدين والدعوة والدراسات الإسلامية ليقوموا بتدريس مواد اللغة العربية رغم عدم تأهيلهم، ليحلوا في مواقع أصحاب التخصص الأصلي، ليسدوا الطريق أمامهم ويحرموهم من فرصهم الحقيقية؟ هل تترك الوزارة الخريجين يواجهون مصيرهم، ويدفعون ثمن الأخطاء، أم تبادر للتعامل بسرعة مع ملف خريجي اللغة العربية الشائك، آخذة في اعتبارها مصلحة العمل باستقطاب الكوادر المميزة والمتخصصة وتصحيح الأوضاع الخاطئة التي لا تستقيم مع الواقع ولا تخدم التربية والتعليم بتعيين معلمين غير متخصصين؟ المبادرة والسعي لإنتاج الحلول الجذرية سيقللان من احتماليات تضخم المشكلة وتزايد الأعداد.
الحل سيكون مقبولاً حتى ولو جاء مرحلياً، المهم تخطي مرحلة الجمود الحالية.