Thursday  10/02/2011/2011 Issue 14014

الخميس 07 ربيع الأول 1432  العدد  14014

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

محليــات

      

يُقال إن حاكماً - لا شك أنه عربي - كان مصاباً ب(فوبيا) الخيانات وكان لا ينام الليل من هذا (الوسواس) القهري المرعب الذي عكّر عليه حلاوة التمتع بامتيازات الحكم ولذة السلطة، وقد حاول مراراً أن يبعد هذا الكابوس المفزع الذي حرمه حتى من لذة النوم العادي فما بالكم بالنوم غير العادي (!!) وقد تناهبت قلب هذا الحاكم الشكوك وتناوبته الظنون حتى بأقرب الناس إليه. وحينما تفاقمت حالة الأرق والقلق في ذاته المُعذَّبة أو المعذِّبة لا فرق استدعى أمره (النطاسيين) - أي الأطباء - كما يسمونهم في ذلك الزمان، وقال له أرجو أن تجد لي علاجاً من هذا الشك الذي (مرمر) علي حياتي التي من المفترض أن أتمتع بمباهجها. وهنا سأله (النطاسي): أرجوك يا مولاي قل لي بصراحة بمن تشك به أولاً؟ فقال: وزيري، فقال له الأمر بمنتهى السهولة، سأسقي وزيرك كأساً ممزوجاً بداء الاختبال وسيصبح مجنوناً تافهاً لا يفكِّر بشيء على الإطلاق. وبالفعل جُنّ الوزير وانتهى منه. ثم أعاد النطاسي السؤال مرة ثانية: بمن تشك به بعد؟ فقال: أقربائي، فأسقاهم النطاسي بنفس الكأس وأصبحوا كلهم (مهابيل) لا يحيرون ولا يديرون، فنسي الحاكم همهم. ثم عاد له النطاسي بنفس السؤال، فقال له الحاكم: أصبحت أشك بكل من في القصر، فسقاهم النطاسي نفس الكأس وأصبحوا معتوهين يتحركون كالآلة الصماء. ثم أعاد السؤال مرة رابعة وقال: أشك بتجار المدينة، فجمعهم الحاكم وسقاهم النطاسي من نفس الداء وأصبحوا كلهم بلهاء مغفلين لا يُخشى منهم، وهكذا تطورت الشكوك واتسعت، فقال أصبحت أخاف من كل الشعب فقال النطاسي: الأمر أسهل مما مضى كله، فسكب الداء في بئر المدينة الوحيد، فأصيب جميع السكان بالاهتبال والجنون، ولما وصل الأمر إلى هذا الحد ولم يعد بمقدور الحاكم أن يتحدث مع أي شخص سوى النطاسي لأن الكل أصبح مجنوناً في بلاده فلم يعد أحد يفهم ما يقول، ولم يعد يُفهم ما يقولون. حار الحاكم وشعر بالوحدة القاتلة التي أصبحت وُحشة لا تطاق فجاء إليه النطاسي وقال: ليسمح لي مولاي بالعودة إلى بلادي فقد أنجزت المهمة على أكمل وجه فها أنني جعلتك العاقل الوحيد في هذه المدينة المجنونة فهل تريدني أكثر من ذلك؟! فقال له الحاكم: مهلاً مهلاً أيها النطاسي، أرجوك أن تسقيني من كأس الجنون نفسه الذي أسقيت منه شعبي لأصبح مجنوناً مثلهم لعلي أتفاهم معهم على الأقل (!!).

ملاحظة أخيرة: هذه الحكاية الفنطازية أهديها إلى كل حاكم فرد، شمولي، مستبد في عالمنا الثالث لأن أغلبهم يفكر هكذا (!!).

 

هذرلوجيا
التفاهم بالجنون
سليمان الفليح

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة