الكثير من المتابعين لسوق النفط العالمي يتساءلون عن مدى تأثير الأحداث الأخيرة في مصر العربية -حفظها الله من كل مكروه- على أسعار البترول، الحقيقة أن مصر لا تمثل شيئاً كبيراً في خريطة البترول العالمية لاحتوائها على كميات قليلة جداً من احتياطيات البترول والتي تقدر بـ 4.3 بليون برميل مقارنة بـ 264 بليون برميل للمملكة (1.2%) وإنتاج يومي يقدر ب 740 ألف برميل في اليوم (نفط ومُكثفات بترولية) يستهلك غالبيته محلياً ويصدر 100 ألف برميل في اليوم للخارج. بالرغم من عدم اعتبار مصر كدولة مصدرة رئيسية للبترول فإن لها تأثيراً مباشراً على خريطة الطاقة العالمية, ويتمثل هذا التأثير فيما يلي:
1- الغاز الطبيعي المصري المُسال المُصدر للخارج لبعض دول أوروبا (يستخدم في توليد الكهرباء) حيث تحتوي جمهورية مصر على احتياطيات لا بأس بها من الغاز طبيعي تقدر ب 2.170 بليون قدم مكعب.
2- وجود قناة السويس التي تستخدم كمعبر بحري للكثير من ناقلات النفط سواءً المُتجهة شمالاً أو جنوباً حيث يتم شحن النفط الخام والغاز المُسال والمنتجات النفطية في كلا الاتجاهين: شمالا إلى البحر الأبيض المتوسط ومن ثم إلى دول أوربا وأمريكا الشمالية وجنوبا إلى البحر الأحمر ومن ثم إلى دول شرق آسيا.
3- وجود بعض أنابيب النفط التي تستخدم لنقل البترول عبر البحر الأحمر مثل أنبوب سوميد للنفط. فهذا الأنبوب يربط بين البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط والذي يستخدم لتصدير جزء من نفط الخليج للدول المُطلة على البحر الأبيض المتوسط.
أدت هذه العوامل في ظل وجود عدم الاستقرار السياسي في مصر إلى خلق المزيد من حالة الترقب والتخوف والضغوط السعرية على سعر البترول في الأسواق العالمية حيث وصل سعر العقود الآجلة لمزيج نفط برنت إلى أكثر من 100 دولار للبرميل في الأيام الماضية كردة فعل للأحداث الأخيرة في مصر.
ذكر تقرير نشرته مُؤخراً وكالة الطاقة الدولية أن أي تعطل في مرور ناقلات النفط عبر قناة السويس وخطوط الأنابيب يمكن أن يكون له تأثيراً هاماً على أسواق النفط والغاز، وذكر التقرير أيضاً أن البترول المصري ومرافق إنتاج الغاز لا يبدو أن تكون معرضة للخطر، لأنها لا تزال بعيدة عن المراكز السكانية. الحقيقة أنني أستبعد حدوث سيناريو إغلاق القناة أو تخريب مرافق البترول والغاز المصرية بالرغم من عملية انفجار أنبوب الغاز في شبه جزيرة سيناء والذي حدث الأسبوع الماضي لأسباب مضادة لعملية التطبيع وبيع الغاز المصري بأسعار منخفضة جداً للعدو الصهيوني. فالشعب المصري الأبي يعلم مدى أهمية مرافق إنتاج البترول والغاز واعتماد الاستهلاك المحلي والاقتصاد المصري عليها ويعلم كذلك أهمية استمرار العمل في قناة السويس وتأثيرها المباشر على الاقتصاد العالمي عامة وقطاع الطاقة خاصة.
والسؤال المطروح هنا يتمثل في معرفة الآثار السلبية لهذه الأحداث على الاقتصاد العالمي وأسعار البترول؟ المتابع لسياسة أمن الطاقة المُتبعة من قبل الكثير من دول العالم يعلم أن تأثير هذا السيناريو المُستبعد حدوثه سوف سيكون تأثيراً مؤقتاً لأن الكثير من البلاد المستوردة للبترول والغاز المُسال والمنتجات البترولية الأخرى بما فيها دول منظمة التنمية والتعاون والاتحاد الأوروبي تمتلك مخزونات من النفط والغاز المُسال والمنتجات النفطية يكفيها لعدة أشهر سوف تستخدمها هذه الدول لو تأثرت الإمدادات النفطية بعملية إقفال قناة السويس. فمبدأ أمن الطاقة يعتبر من أولويات جميع الدول الصناعية الكبرى والصغرى. أما تعويض الـ 100 ألف برميل من النفط المُصدر من مصر فلا يمثل أي تحدي لتوفر أكثر من 4 مليون برميل كسعة إنتاجية فائضة يمكن أن تضخ في السوق إن دعت الحاجة.
كما أن إمكانية شحن البترول والغاز المُسال والمنتجات البترولية الأخرى عن طريق الرجاء الصالح (حول إفريقيا) يعتبر بديلاً عملياً ومتوفراً بدلاً من قناة السويس وسوف يؤدي فقط إلى تأخر وصول الشحنات 10-15 يوم. لذلك أعتقد أن أحداث مصر لن يكون لها تأثيراً على أسعار البترول وإمدادات الطاقة على المدى البعيد, ولكنها تظهر مدى وسرعة تأثر أسعار النفط بالعوامل الجيوسياسية الصعبة التكهن بها. حفظ الله مصر وشعب مصر والأمة العربية جمعاء من كل مكروه.
www.saudienergy.net