تابعت جيداً ما تناولته وسائل الإعلام، من تأكيد سمو النائب الثاني - الأمير - نايف بن عبد العزيز، خلال استقباله عددا من عمداء الكليات ومنسوبي المعهد العالي للقضاء قبل أيام بما «يجب أن يكون عليه القاضي، وكيفية التعامل مع المتخاصمين، والصبر عليهم، وعدم الانفعال.. والحكم بشرع الله، والابتعاد عن الاجتهادات الخاطئة..
وأن تكون أحكامهم عادلة ؛ لإعطاء كل ذي حق حقه، وحتى يطمئن المواطن والمقيم لحقوقه عندما تعرض على القضاء «. فالقضاة ليسوا منزهين عن الخطأ. وما يطغى على الساحة من بعض الممارسات الخاطئة لبعض القضاة - وهم قلة -، أثار العديد من تساؤلات المجتمع ؛ بضرورة توجيه النصيحة للقضاة، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، ضرورة إيقاف تعديات بعض القضاة، والتي لا يستطيع أحد إيقافها، بحجة أنه قاضٍ.
صحيح، أن القاضي إنسان تحكمه طبيعة بشرية، لكنا نريد من القاضي، أن يحافظ على إنسانيته في تعامله مع المتقاضين، وذلك في إطار الشرع والنظام، بسعة صدره، وعفة لسانه. وأن يتحكم في عواطفه، ويقاوم أهواءه، ويتجرد من المؤثرات الذاتية والخارجية. وأن يكون في أحسن حالاته النفسية، يحترم العاملين تحت سلطته، فهم جزء لا يتجزأ من الجهاز القضائي ؛ من أجل صون كرامتهم. بل نريد أبعد من ذلك، وهو أن يحافظ القاضي على أخلاقيات مهنته الشريفة، ويتمتع بصفات أخلاقية سامية، مع الالتزام بها ؛ لسمو رسالته، وأهمية دوره في المجتمع.
نريد قاضيا يفصل في الخصومات بين الناس، قادرا على حسم الموقف بما يأمر به الشرع إلزاما ؛ لتكون أحكامه بعد ذلك واجبة التنفيذ. فلا يؤجل الحكم في قضية ؛ لتطبيق الأحكام، وحفظ الحقوق، وردها إلى أصحابها. حتى لا يفضل المدعي اللجوء إلى خارج نطاق المنظومة القضائية ؛ لإجراء تسوية خلافه مع المدعي عليه، فتضيع الحقوق. إلا إذا تطلب إجراء التأجيل، مزيدا من البحث والتحري والدقة، فالقاضي هو الرقيب والحارس.
نريد قاضيا يلتزم بالحيادية، ويتقيد بالعدالة الإجرائية المطلوبة. فيتجنب السعي وراء منفعة شخصية، أو ينتهك مبدأ التعامل مع الخصوم، دون ممارسة الضغط على أحد أطراف القضية؛ من خلال تعسفه في استخدام السلطة.
ويبقى المشهد النهائي، أننا بحاجة إلى وقفة تأمل أمام أهم جهاز من أجهزة الدولة. فالقضاء ولاية دينية عظيمة، ومكانته المهنية متقدمة على باقي المهن. وسد هذه الثغرة، بمراجعته على مستوى الهيكلة العامة، وتوسيع الضمانات، وتفعيل لائحة العقوبات، عن طريق قرارات تكون ذات شأن حقيقي ؛ للارتقاء بالمستوى المهني للقضاة، مطلب مهم.
ذات مرة أخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أصحابه - رضي الله عنهم -، بأن: «الله مع القاضي ما لم يَجُرْ، فإذا جار تبرأ منه، وألزمه الشيطان». كما أخبرهم، بأن: «من طلب قضاء المسلمين حتى يناله، ثم غلب عدله جَوْره فله الجنة، ومن غلب جوره عدله فله النار». فهذا التقسيم الدقيق لحال القضاة، دليل واضح على ضرورة مناصحة المقصرين من القضاة، ومساءلتهم، وتوجيههم ؛ من أجل ضمان هيبة القضاء، وحفظ كرامة رجاله.