المرأة السعودية هي جزء من نساء هذا العالم، تشاركهن الهموم نفسها، وتتقاسم معهن ذات الآلام، لكنها إلى جانب ذلك تعيش معاناة مضاعفة جراء الخصوصية التي فرضها عليها واقعها السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي. وتعيش في الغالب عدداً من الأزمات التي تلاحقها من كل جانب، فهي تعيش أزمة ثقة ورهاب الرجل، زوجاً أو أباً أو أخاً أو حتى ابناً، ذلك الرهاب الذي يقضي على كل طموح ويقتل كل محاولة للنهوض والبروز، وبرغم ذلك تتجلى المرأة السعودية في أجمل صورها، فهي الصبورة، الصامدة، المناضلة، هي التي لم تضعف عزيمتها أو تفتر، رغم كل ممارسات التنكيل بها، وهي أيضاً التي لا زالت تناضل وتكافح من أجل مساواة شريفة وحقيقية بعيداً عن كل مظاهر التمييز ضدها ومحاولات قمعها ودفن مواهبها وإضعاف قدراتها.
من أبجديات ما تحلم به المرأة هو الاستقرار، ذلك أن طبيعة المرأة من الناحية النفسية بحاجة لعنصر الاستقرار أكثر من الرجل، فهي الأم والزوجة والابنة التي لا يمكن لها أن تبدع في عطائها وإنتاجها في ظل مناخ متقلب وبيئة غير مستقرة، فإن تحقق لها الاستقرار المنشود بلغت مبتغاها وإلا كان المفر بحثها عن البدائل بمقدار ما يتوفر لها من مساحة في الحرية والحركة، ولذا نجد كثيراً من النساء ممن لم يتوفر لهن عنصر الاستقرار الذي يؤمن لهن الأمن الذاتي يسعين للخروج للعمل وتحمل أنواع أخرى من المعاناة، ذلك أن مجتمعاً له خصوصيته كمجتمعنا لم يألف بعد وجود المرأة العاملة بين جنباته.
لقد شهدنا مؤخراً بزوغ نجم عدد من النساء بالمملكة في عدة مجالات ما يزيد إيماني بوجود قدرات وإمكانيات غير عادية لدى المرأة السعودية لا تقل عن مثيلاتها في بقاع الدنيا إن لم تكن أفضل. فقد ذاع صيتها في محافل عدة كالطب والتعليم والفنون الراقية والأدب والعلوم والإدارة والتجارة وغيرها كثير، لكن تظل تلك الإنجازات وذلك البروز في حدود ضيقة لا تسأل عنه المرأة بل البيئة المحيطة بها وما يتوفر لها من مساحة للتقدم وإظهار ما لديها من مواهب وقدرات. ولست المؤهل للحديث عن ما عانته المرأة تلك في إظهار ما أظهرته ويكفي أن أقول أن جهداً مضاعفاً خارقاً تم بذله من قبلها لوصولها لما وصلت إليه كون طريقها لم تكن معبدة أو حتى ممهدة في ظل الخصوصية الحمقاء التي تعيش في كنفها وتتنفس هواها. تلك الخصوصية التي رسمت ولا زالت عليها وعلى الكثير من مثيلاتها طوقاً من نار إن هي خرجت منه عليها أن تتحمل لسعاته وحرارته وإن هي ظلت بداخله عليها أن تتحمل وطأة الإحساس بالدونية وقمع الهمة وحرق الموهبة. أعود للقول إنني لست المؤهل لسرد ما عانته من خرجت أو ما تعانيه من تحاول الخروج، لكنني من موقعي الحالي على الأقل أشعر بمسئوليتي تجاهها وضرورة مطالبتي بوجود من تتبوأ مركزاً تضطلع من خلاله بمسئولية إبراز المرأة وقدراتها ومواهبها. علينا أن نبدأ التفكير بضرورة إيجاد موقع وظيفي رفيع تشغله امرأة تهتم ببنات جنسها، فهي الأقدر على التحدث عنها ومن خلالها، بدلاً من استمرار رفع لواء الحماية من قبل الرجل، موقع حكومي رفيع لا يقل عن مستوى وزارة تكون على رأسه امرأة تهتم بشئون النساء ورعايتهن والمطالبة بحقوقهن والدفاع عنهن واسترداد ما يهضم أو يضيع منهن.
إلى لقاء قادم إن كتب الله.