أتصور أن الشخص المسئول في مكان ما لا يمكن أن نحكم عليه حكما قاطعاً في الأوقات العادية، بقدر ما تظهر حقيقته وتتضح منهجية تفكيره وأسلوبه في استيعاب ومعالجة مشاكل الناس في وقت الأزمات، لأن هذه الأوقات الصعبة هي التي تكشف الآلية التي يتبعها ذلك المسئول، خصوصاً إذا كان مؤمناً أنه ليس شخصا فوق الآخرين، بل هو شخص وضعته الحكومة ووثقت به من أجل أن يقوم على خدمة الناس.
هذه المنهجية الفكرية ظهرت لنا هذه الأيام في أزمتين، الأولى: أزمة جدة، وما خلّفت من أضرار مادية ومعنوية ألهبت قلوب السعوديين كلهم. خرج المسئول الأول في المنطقة وهو صاحب السمو الأمير خالد الفيصل، وقف على جراح الناس يطببها، وبنبرته الهادئة تحدث لهم، سمعهم، هدأ من روعهم، كان سموه قريبا من الجميع، نساءً ورجالاً، شيوخاً وأطفالاً، ومثالا على هذا ذلك المشهد حينما وقف يستمع لسيدة من منطقة «أم الخير» أنصت لحديثها بكل احترام إلى أن انتهت، ووعدها بالحلول، لم يتجاهل أحدا، ولم يفصله عن مواطنيه لا رجال أمن ولا حراسة يزيحوا الناس عنه، وقوفه إلى جانب أهالي جدة في تلك الأيام العصيبة كان معنوياً قبل أن يكون مادياً، شعور الناس بمشاركة مسئولهم في وقت الأزمة هو بحد ذاته جزء من علاج المشكلة.
في حين جاءت الأزمة الثانية، وهي: أزمة أرض الكنانة، مصر الحبيبة، والتي نرتبط بها كسعوديين ارتباطاً وثيقاً، بدليل وجود 800 ألف سعودية وسعودي يعيشون في مصر، وهذا ما دعا خادم الحرمين الشريفين، الملك عبدالله بن عبدالعزيز -أعاده الله لنا سالماً- بإصدار قرار فوري بإرسال طائرات تنقل هذه الجالية السعودية الكبيرة إلى أرض المملكة، خوفاً عليهم وضماناً لسلامتهم، في الحقيقة ذلك الموقف الذي شاهدناه من السفير السعودي كان مؤلماً للغاية، حينما وقفت أمامه امرأة تبث شكواها من طول الانتظار فكان رده بالتهكم عليها والتقليل منها والاستهزاء برأيها، بل ويقف خلفه جموع من الحراس يُبعدون مواطنيه عنه في مشهد مزعج ولا أفهم السبب، فهل السعوديون سيضرون السفير؟ حقيقة لا أدري، لكن الذي يتقاطع بين المشهدين، وأسلوب رد رجلين من مسئولي هذا البلد، هو ما جعل المقارنة تعشش في ذهني، لأردد بيني وبين نفسي: «سبحان الله.. خلق وفرق».
في الحقيقة، أن الأجهزة في مثل هذه الظروف وفي وقت الأزمات قد لا تقوم بواجبها كاملاً نظراً للأحداث المحيطة، إلا أن هناك واجبات أساسية لا يمكن الإخفاق بها، ولا يمكن قبول أي عذر عند التقصير. الأمر الذي يُلح بالتساؤل: كيف ظهرت مشكلة بطاقة صعود الطائرة التي نشرتها صحيفة «الوطن»، وكيف دخلت في السوق السوداء بمطار القاهرة بل ووصل ثمنها إلى 1500 ريال سعودي، في الوقت الذي أمر فيه قائدنا بنقل السعوديين مجاناً؟ لماذا تكدس الناس وطال الانتظار إلى أكثر من 48 ساعة وهناك طائرة سعودية كل ساعة وبسعة 450 مقعدا؟ أين هم موظفي سفارتنا عما يحصل، خصوصاً وأن عدد موظفي السفارة السعودية وممثلياتها في مصر من أكبر الأعداد؟
كل هذه الأسئلة وغيرها تحتاج إلى توضيح لم أجده في بيان وزارة الخارجية الرافض لوجود أي نوع من التقصير، حسناً.. لكن يبقى التقصير في كفة، وعدم احترام الناس في كفة أخرى!.
www.salmogren.net