تقول نظرية الانسداد التاريخي إن التغيير على مستوى الحضارات والشعوب والمجتمعات والدول، يأتي بعدما (ينغلق) التاريخ عن تقديم الجديد، فعندما تعجز الدولة - مثلاً - عن تقديم الجديد لشعبها، وعندما تكرر نفسها، وعندما تنكفئ على ذاتها، وعندما تقف عن التطوير، وعندما تتصرف بخلاف ما يطمح به شعوبها، فهي حينئذ قد وصلت إلى (الانسداد التاريخي) وهنا يهبّ الناس ضد هذا (الانغلاق) من أجل (الانعتاق).
وتقول النظرية حينها يأتي بشر إلى الصفوف الأمامية يتصفون بالإقدام والشجاعة ويتحملون الأخطار لينادوا بالتغيير، هؤلاء البشر هم شرارة التغيير، وهم الذي يتبعهم البقية، ويكون الأمر منطقياً لدرجة أن الناس تعترض بتلقائية وبعنفوان شديد محاولة أن (تفتح) التاريخ بما يتواكب مع طموحاتها.
وليس (للانسداد التاريخي) مدة محددة، قد ينسد التاريخ خلال عشر سنوات وقد ينسد خلال ثلاثين سنة وقد ينسد خلال قرن وقد ينسد خلال قرون عديدة، وهذا ما تؤكده الثورات على مستوى تاريخ البشر مثل: الثورة الأمريكية والثورة الفرنسية والثورة البلشفية وثورة البروستريكا، والثورة التونسية والمصرية، التي أتت بعدما (انسد التاريخ) أمامها بصورة لم يجعل لها قيمة. بعضها مكث قروناً وبعضها سنوات، ولكن النظرية تؤكد أنه متى ما توقفت الدولة أو المجتمع أو حتى الأسرة عن الجديد وعقمت عن الولادة، يأتي من (ينتفض) من أجل التغيير ليكون التاريخ أكثر قدرة على توليد الجديد بما يكفل تطلعات الناس.
الحياة متجددة باستمرار، لهذا يقول اليونان من قديم الزمان: (إنك لا تدخل النهر مرتين) دلالة على أن الماء متجدد، فالنهر في حالة تجدد عبر الثانية، وكذلك الحياة، فمن أراد أن يوقف الزمن والتاريخ والناس على نمط واحد، فإنه بذلك يخالف سنة كونية، يخالف صفة التجدد المستمرة، ما يجعله أمام ثورة قد تكون شعبية، قد تكون تقنية، قد تكون إدارية، قد تكون حقوقية، قد تكون سلوكية، لهذا يعارض كثير من التقليديين كل ما هو جديد خوفاً من تغيير المرحلة التي أوقفوا الزمن عندها, وخوفاً على المكتسبات التي حقوقها على مر التاريخ.
وكثيراً ما يقف الزمن عند أقدام التقليدين غير الباحثين عن الجديد، ولكنهم لو عرفوا نظرية الانسداد التاريخي لتصرفوا بخلاف ذلك, وهذا ما يجعل ترويج مثل هذه النظرية أمراً مهماً لدى كثير من البشر حتى تستمر الحياة حسب وتيرتها التي سنّها الله. (ولن تجد لسنة تبديلا).