هكذا فرض عليَّ السَّجْع هذا العنوان «المُثير؟!» في طرح هذا الموضوع «الخطير؟!»، والسجع أحياناً يدفع بالكاتب إلى العجائب، ويأتي منه بالغرائب، ولكنه يخف أحياناً على السمع، كما قيل لأحد البلاغيين، ما السَّجْعْ قال: ما خفَّ على السَّمْع، قال له السائل: مثل ماذا؟ قال البلاغي: مثلُ هذا. أقول لمعالي وزير العمل، أبعده الله عن الزَّلَلْ، وحماه من الخطل: لقد لقيتك في ذلك السفر الجميل في الطائرهْ، من الرياض العامرهْ إلى جدة الساهرهْ وجرى بيني وبينك حديثٌ مباشر صريح، موزون هادئ مريح، حول ما حزمت أمرك عليه، ووجهت موكب وزارتك إليه، من إقحام المرأة في عمل «الكاشير» بلفتظتها الأعجمية، «صناديق البيع» بلغتنا العربية والحجة حالات بعض النساء، اللاتي يَعِشْنَ حياة الفاقة والفقر والشقاء، وكانت قد صدرت في تلك الأيام، فتوى لأعضاء هيئة كبار العلماء الكرام تؤكد أن هذا العمل حرام، لما فيه من الزج ببعض النساء والإقحام، في مجال يكثر فيه التلاحم والزحام، وتتعرض فيه المرأة لأصناف من الأنام، فيهم الصالح والطالح، والمادح والقادح، والناعق والصادح، وكان من بين ما قلت لشخصك الكريم، ليتك تبادر هيئة كبار العلماء بالتحية والتسليم، وتجتمع معهم اجتماع الوزير والعالم، بعيداً عن المعاتب واللائم، فأنتم تمثلون دولتنا الكريمة، وتحملون عبء أمانتها العظيمة، فأجبتني بجوابٍ غير واضح، وإن كان قد أوحى إليَّ بأنك لا تميل إلى هذا اللقاء المقترح، فلا صوتك به احتفى ولا صدرك له انشرح، وحينما تحدثت معك عن رأي العلماء ومعظم أفراد الوطن، وأشرت عليك، والمستشار مؤتمن، بإعادة النظر في هذا القرار، وعدم التمسك به وعدم الإصرار، ورأيت لك ألا يكون سبباً للمفاصلة، وميداناً للمصاولة والمنازلهْ، رجعت بالقول إلى حالة المرأة في عصر الرسالهْ مع أنها -لو تأملنا- أوضح حالهْ، فهي لم تقحم المرأة في كل مجال بحجة الإنفاق على الأهل والعيال، والعبرة بحقيقة ما روي لنا وواقعه لا بما يصوره من يحرفون الخبر عن مواضعه.
إننا نتفق على وجود عوائل محتاجة فقيرهْ، ونساء كريمات أوضاعهن مؤلمة مثيرهْ، ونتفق على وجوب المساعدهْ، والمصابرة في حل مشكلاتهن والمجاهدهْ، وإنما نختلف على الوسائل والطرائق، التي تزيد من إشعال الحرائق، وتدفع بالمرأة الكريمة إلى عمل غير لائق، والسؤال الذي يفرض نفسه على أولي الألباب، يقول باحثاً عن أصدق جواب، هل سُدتْ أمامنا جميع الأبواب، وهل توقفت خطط العمل في وزارة بحجم وزارة العمل، على هذا المجال الوحيد المثير للجدل؟! الذي أصاب ساحة الحوار بما نراه من الاضطراب والخللْ؟
أين برامج العمل الجزئي للمرأة، ولماذا نتجاهله بهذه الجرأة، وأين برامج العلم من المنزلْ، التي تفتح للمرأة مجال العمل في بيتها دون أن تخرج منه أو تنزلْ، وهي برامج عملية ناجحهْ، يصبح بها المجتمع رابحاً والمرأة رابحهْ، كما أنها برامج مطبقة في أمريكا وبعض دول الغرب المتقدمهْ، تفيد منها الأسرة الفقيرة المعدمهْ، بل هي برامج عمل المرأة في المستقبل القريب والبعيد، باتفاق أهل الخبرة والدراية والعقل الرشيد.
إن مسؤولية الدولة أن ترعى الناس رعاية تحفظ لهم الكرامهْ، وترفع عن كاهل الدولة الملامهْ، وقد أسندت الدولة هذه المسؤولية العظيمهْ، إلى وزارتك الكريمهْ، لتقدم الحلول الناجعهْ، والتي تنسجم مع تعاليم شريعتنا الناصعهْ، وشمس قيم مجتمعنا الساطعهْ، فهل يمكن يا معالي الوزير، أن تبعد فتياتنا عن عمل «الكاشير»؟ وهل تعلم أن شجاعة العدول عن أي قرار يصادم المجتمعات، أعظم من شجاعة إصدار ما يثير الجدل من القرارات.