تشديد سمو النائب الثاني - الأمير - نايف بن عبد العزيز، حيال محاسبة كل من اتضح تقصيره، وتهاونه في أداء مهماته، وتأخره في تنفيذ الأوامر.. والإعلان عن أسماء المقصرين من الجهات، والأفراد في كارثة جدة، ومحاسبتهم قريبا، هو تشديد على محاربة الدولة للفساد - بشقيه -؛ فالفساد - الإداري والمالي -
سبب في عدم مواكبة التنمية، وتعطيل مشاريع الدولة، أو التأخر في إنجازها، وهذا - بلا شك - سيؤثر سلبا في تحريك عجلة الاقتصاد الوطني، وتأمين الاحتياطات الضرورية للمواطن في النواحي الاجتماعية، والبيئية، والتعليمية، والثقافية، والصحية - وغيرها كثير -، والتقليل من حجم هذه الخدمات، وجودتها.
إن من آثار الفساد الذي رأيناه في كارثة جدة، سيتطلب تحديد أسباب ومسببات هذه الكارثة، وخطوات معالجتها، وما يمكن القيام به تجاه إنهاء هذه المشكلة من جذورها، وبشكل متكامل ومدروس، حتى لا تتكرر الكارثة مستقبلا؛ ولذا فإن محاسبة كبار الفاسدين في هذه الأزمة، والتشهير بهم قبل صغارهم، وفق مبدأ : «من أين لك هذا» مطلب مهم، وهذا ما صرح به سمو النائب الثاني الأمير نايف بن عبد العزيز؛ إذ ليس أحد فوق القانون، وترك كبار الفاسدين بعدم التشهير بهم - في الوقت - الذي يتم فيه التشهير بأصحاب الرشاوى، ونشر صورهم وأسمائهم، وتطبيق العقوبات التعزيرية بحقهم، هو تفريق بين كبار الفاسدين، وصغارهم - لا مبرر له -، كما أننا لا نريد البحث عن كبش فداء، أو إصلاح الإجراءات فقط، بل نريد البحث عن أبطال هذه الأخطاء، وإخضاعهم للمساءلة، فهذه الخطوة هي مرحلة العودة؛ للسيطرة على الفساد - الإداري والمالي -، وتحجيم انتشارهما.
ذكرت لنا السنة النبوية، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استعمل رجلا من الأسد، يقال له : «ابن اللتيبية» على الصدقة، فلما قدم، قال : هذا لكم، وهذا لي أهدي لي. قال أبو حميد الساعدي: فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، وقال: ما بال عامل أبعثه، فيقول : هذا لكم، وهذا أهدي لي، أفلا قعد في بيت أبيه، أو في بيت أمه حتى ينظر، أيهدى إليه أم لا ؟ والذي نفس محمد بيده، لا ينال أحد منكم منها شيئا إلا جاء به يوم القيامة يحمله على عنقه بعير له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة تيعر. ثم رفع يديه حتى رأينا عفرتي إبطيه، ثم قال: اللهم هل بلغت مرتين». فقد دل الحديث: على تحريم أخذ الهدية، التي تعطى للموظف بمناسبة الوظيفية لأن الشخص لا يهدي إلا لغرض، إما من أجل التقوي به على باطل، أو للتوصل بهديته إلى حق، وكل ذلك حرام، لأنه يؤول إلى ما آلت إليه الرشوة. - وبالتالي - فقد شهر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعامله «ابن اللتيبية» أمام الناس لخطئه، ولم يجامله لاعتبارات أخرى.
إن الخسائر التي تتكبدها السعودية نتيجة الفساد - الإداري والمالي - قدرت قبل أربع سنوات، كما نشر في - صحيفة الوطن - بنحو - ثلاثة تريليون ريال. - ولذا - فقد أتت السعودية في المرتبة «78» من أصل «160» دولة في العالم، بشأن ترتيب الدول من حيث معدلات الفساد الإداري، وذلك وفق التقارير والدراسات العالمية الصادرة من منظمة العمل الدولية، المتعلقة بدراسة اقتصاديات المنطقة العربية. مما جعل خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - يصدر عدة تشريعات، تشدد على التدقيق في إنفاق المال العام، وإعادة هيكلة الأجهزة الرقابية ؛ للحد من انتشار الفساد الإداري والمالي، الذي تفاقم كثيرا في السنوات الأخيرة، ومن ذلك: الموافقة على الإستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد.
عذرا يا وطن.. ففي مسمعي همس الشجن، وكأن حلم الأمس يتحقق اليوم، ويتبدد أمام أعيننا، حين هبت رياح محاسبة المفسدين ومساءلة المقصرين. ولا يهمنا إن نسينا عدد السنين، ونحن نفتش عن عدد المفسدين، لتبقى الروح بلا طقوس، تترجم حبنا من أجل هذا الوطن. راجيا ألا تطول مسافة الانتظار، فجذور حبك مجتمعة في قلوبنا، وسيبقى جرحك يا وطن نهاياتنا، حتى ولو باعك بعض أبنائك بلا ثمن.