Saturday  05/02/2011/2011 Issue 14009

السبت 02 ربيع الأول 1432  العدد  14009

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

أخذ الإنسان العربي في الفترة الأخيرة جرعات عالية من السياسة والأحداث العظام، يتوقف فقط عندها التاريخ في فترات حاسمة ثم ينطلق مرة أخرى في مراحل أكثر حداثة وعصرية؛ فقد اختطفت الأحداث الأخيرة عيون العرب وأذانهم وعقولهم، واكتشفوا أن تقنيات الإعلام الحديث صارت تتحكم في زمام الأمور، وأن ثقافة الإنترنت وشبكته الواسعة أصبحت ميادين للحوار بين الشباب الجدد.. وأن السيطرة أو الحجب لن يستطيعا إيقاف الاتصال أو التحكم في سريان المعلومات..

لكن التغيير الأهم في المرحلة الحالية كان سقوط الشعارات في عصر العسكرتاريا العربية، التي كانت تحكم العقل السياسي العربي لقرون، فبرغم من دخول العرب في ثقافة الحداثة إلا أنهم مع ذلك استبدوا بالناس أيضاً من خلال شعارات الديمقراطية والاشتراكية والجماهيرية، ولم ينجُ الشعار الأكثر تداولاً في تاريخ المسلمين من الفشل أمام الوعي الجديد؛ إذ لم يسلم شعار «الإسلام هو الحل» من النقد الشعبي له، ومن كشف خوائه من الداخل، فتسييس الخطاب الإسلامي أفقده المضامين والتفاصيل..

بعد سقوط عصر الشعارات الخاوية صار الإنسان العربي يبحث عن كرامة العيش تحت مظلة الحرية والقانون. لقد توصل هذا الإنسان إلى حقيقة ناصعة هي أن أقنعة السياسة كما يفهمها العرب قد سقطت، وأنهم يحتاجون في الوقت الراهن إلى فن الإدارة لا فن السياسة، ولم يعد الخداع السياسي يحكم الناس؛ لأنه يفتقر إلى المصداقية والنزاهة واحترام عقول الناس.. كذلك سقطت الثقافة في العصر العربي الحديث، وقد كانت وما زالت نسبة كبيرة منهم مثل نافخ البوق للشعارات المزيفة، ويدخل في ذلك مختلف الاتجاهات، بدءاً من التيار السياسي الإسلامي إلى الليبرالي والعلماني، والسبب أنهم يرفعون شعارات لا يفهم مضمونها الإنسان العادي، ويستخدمون المؤثرات الصوتية والخطب الرنانة التي تخلو من المضمون.. وعادة ما تكون التفاصيل فيها مخالفة بل متناقضة عن معاني الشعار المرفوع.. ومنها على سبيل المثال وصف الدولة بالديمقراطية الشعبية وهي أبعد ما تكون عن ذلك.. أو الاشتراكية الشعبية بينما تئن الغالبية تحت خط الفقر.

في عصر الإنترنت تولى رجل الشارع صياغة الخطاب الجديد في عصر الإنترنت.. واختفت الشعارات مع رحيل الزعيم الذي لا يُقهر، لندخل في مرحلة تحكمها مطالب استيفاء حقوق واحتياجات الإنسان، وفي حالة استمرار تباعد المسافة بين الناس والسلطة ستكون تبعات المرحلة القادمة أكثر ألماً، ويحتاج المواطن العربي في العصر الراهن إلى خطاب لا تنقصه الحكمة والمصداقية والمصارحة، ثم العمل على تطوير الأنظمة الإدارية والخروج من مرحلة الشعارات والدعاية الإعلامية..

انتهى عصر الدعاية الإعلامية على طريقة جوبلز صاحب العبارات الشهيرة: «اكذب ثم اكذب.. حتى يعلق شيء ما في أذهان الجماهير، كلما كبرت الكذبة سهل تصديقها». وقال أيضاً: «الدعاية الناجحة يجب أن تحتوي على نقاط قليلة وتعتمد التكرار»، وقد تم استعارة هذه الدعاية في عالمنا العربي، برغم من سقوطها وفشلها في المرحلة النازية، ولم تنجح الدعايات الكاذبة في إخفاء الحقيقة أو الفشل، بل تحولت إلى نقمة أو دعابة يتناقلها الناس عبر أجهزة التواصل الإلكتروني..

كانت سلطة جوبلز تتحكم عبر سيطرته التامة على كل أجهزة الإعلام، وفي نفس الوقت كان يتوعد المثقفين بجملته الشهيرة «كلما سمعت كلمة مثقف تحسست مسدسي»، وقد ساعدته ضعف تقنيات الاتصال في عصره على التحكم في الدعاية والإعلام، لكن طريقة جوبلز الدعائية انتهت صلاحيتها تماماً في العصر الحديث، فقد تشعبت وسائل الاتصال وتقدمت كثيراً، وصارت بمثابة السلاح في أيدي الناس، ولا يمكن بأي حال التحكم في الرأي العام..

في ظل الصراع الحالي خسرت السلطة والثقافة زعامتهما للناس؛ إذ لم يعد لكليهما تأثير يذكر على عقول العامة، ولا مخرج إلا بتجاوز المفاهيم العربية القديمة في تقسيم المجتمع إلى السلطة والنخبة والعامة؛ فالنخب المثقفة فشلت في لعب الوسيط بين السلطة والناس، ولا بديل عن استبدال فنون وعلوم الإدارة الحديثة بالإرث القديم، وأن تمنح حرية التعبير حماية قانونية؛ وذلك لئلا تهرب من الواقع إلى عالمها الافتراضي.

 

بين الكلمات
أفول عصر النخب والدعاية الإعلامية..
عبد العزيز السماري

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة