يتضح من منطق الأحداث التي تمر بها المنطقة سواء في تونس أو جمهورية مصر العربية، وقبلها في أماكن وأزمات أخرى على مستوى دول أو مؤسسات أو شركات أن الإعلام الاجتماعي المتمثل في قنوات الإعلام الجديد مثل فيس بوك، وتويتر، ويوتيوب، والمدونات هو العامل الحاسم في إدارة الأزمات الاجتماعية.
ومن الواضح -كذلك- أن العقلية التي لا تزال تدير مثل هذه الأزمات في العالم النامي، تعتمد في إستراتيجيتها على مفاهيم الإعلام التقليدي، وعلى بيانات رسمية تستغرق وقتاً طويلاً في الإجراءات والتنفيذ والتوقيت.. ناهيك عن أن مفهوم إدارة الأزمة لم يصل إلى نضج معرفي ومفاهيمي وتنفيذي بالشكل المناسب.. ولهذا تحدث إخفاقات كبيرة في إدارة الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
اليوم أصبح الفيس بوك هو قوة سادسة في العالم تأتي أهميتها مع أهمية الدول العظمى (مع الولايات المتحدة وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا)، بل هو مع باقي وسائل الإعلام الاجتماعي الأخرى مثل التويتر واليوتيوب أصبحوا القوة الأولى في العالم، وتقوق قوتهم ترسانات الأسلحة النووية التي تمتلكها الدول العظمى.. ولاشك أن مملكة الفيس بوك وجمهوريتي تويتر ويوتيوب أصبحوا جزءاً من قوة التغير التي بدأت تجتاح العالم.. ولم يفطن لها الكثير من الساسة، وخبراء السياسة ومستشاري الأمن الوطني في كثير من دول العالم، وخاصة الدول النامية، وبالتحديد دول منطقة الشرق الأوسط.
ومما يعزز أهمية وقوة الإعلام الجديد هو أن الفيس بوك أصبح جزءاً من السياسة الخارجية الأمريكية، فلو توقف في بلد من بلدان العالم لظروف سياسية أو تقنية، فسيتصدر هذا الموضوع المؤتمرات الصحافية للبيت الأبيض أو لوزارة الخارجية الأمريكية.. ويصبح هو مطلباً حيوياً للشعوب، وحرية إنسانية يجب احترامها.. ويعلم الجميع علاقة الفيس بوك بأجهزة الاستخبارات الأمريكية باعتراف زيكربرج مؤسس الفيس بوك.
وعلى الرغم من ذلك يتوجب على دول العالم أن تتعامل معه كحقيقة إعلامية لا مفر منها.. ومع الفيس بوك باقي القنوات الأخرى في الإعلام الجديد.. فهي أدوات إعلامية يمكن أن توظفها لصالح قضاياك وهمومك، ويمكن أن تتخاطب من خلالها مع جماهيرك، تؤثر فيهم ويؤثرون فيك.. والقاعدة الأولى في نظام الإعلام الاجتماعي هي أن تنصت لكل ما يقال، ولا تتجاهل أيّاً مما يأتي إليك.. فقد وفرت مثل هذه الوسائل آليات تواصل جديدة وفاعلة بين القيادات السياسية والاجتماعية وبين الجماهير.. وتستطيع أن تقرأ ملامح المجتمع، وتقلباته، ونفسياته بوضوح وبدون تلوين أو تشويش على الطبيعة الإنسانية لجماهيرك الداخلية والخارجية.
ومما يؤكد هذا التغير هو ما حدث في تونس، ويحدث حالياً في جمهورية مصر العربية، وما يحدث كإرهاصات في بعض الدول الأخرى، فأصبح قوة إعلام واتصال جديدة غير مسبوقة.. وبتأثير ونفوذ هائل على مجريات الشئون المحلية والدولية.. وكما أثبتت الشواهد أن هذه الأدوات كانت هي المحرك الأساسي للحراك الشعبي، وكان هو قوة الدعم الأولى التي غذت نيران الثورات والانقلابات والاحتجاجات، كما كان هو وسيلة الإعلام الجماهيري التي اعتمدتها جماهير تلك الانتفاضات الشعبية، ولا تزال، وهي طريقة تواصل مع الخارج، وهي نشرة الأخبار الممتدة التي يقرأها باقي العالم.
ولاتزال كثير من الدول تبحث عن وزراء إعلام تقليديين لهم خبرات في مجال إعلام الورق ونشرات أخبار التلفزيون الرسمية وتقارير المتابعات التقليدية.. ولا تزال تبحث عن وزراء من منظومة «الوضع الإعلامي القائم»، ومن أصحاب «الأمور كما هي»، وليس بالإمكان أفضل مما كان.. في حين أن العالم يتغير، والأرض تتحرك من تحت الأقدام.. والجميع يجب أن يدخل في الفضاء الإلكتروني شاء أم أبى.
كما أن دخول المجتمعات والدول في أزمات في القرن الحادي والعشرين، لم يغير من طبيعة تعاملها مع وضعية الإعلام، اعتقاداً أن الإعلام الرسمي بأدواته التقليدية (نشرة أخبار تعدها الوكالة الرسمية، ومعها برنامج إخباري حواري، مع أناشيد وطنية) سيكون قادراً على احتواء وإدارة الأزمة.. ولهذا وبناءً على المعطيات التي أمامنا ومن الحالات التي نعيشها، نجد أن الأزمات تتفاقم، ووسائل التواصل التقليدية غير قادرة على مواجهة المرحلة.. فالعالم والشعوب بدأ يعيش عصراً غير العصر الذي يفكر به وفيه الإعلام التقليدي.. كما أن الإعلام التقليدي -كما نعرفه في كثير من مجتمعات المنطقة- أصبح عبئاً على كثير من هذه الأنظمة، ولم يعد أبداً إعلام المرحلة الجديدة التي نعشيها، ولا إعلام الأنظمة السياسية، التي تستحق أفضل من إعلاماتها التقليدية.. وما دمنا نعيش عصر جديداً -ونحن لم نتكلم عنه اليوم بل من سنوات ماضية- فيجب أن نتحرك سريعاً، وبشكل فوري للاستحواذ على الإمكانات الهائلة التي يحتويها الإعلام الجديد.. ولربما نحتاج أن نضع مسميات وزارية جديدة تواكب الحراك الإعلام من هذا النوع ما دمنا نعيش تأثيره، ونكتوي بنيرانه.. بدل البحث عن مناصب إعلامية تقليدية قد لا تفي بمتطلبات المرحلة الكونية الجديدة.
* المشرف على كرسي صحيفة الجزيرة للصحافة الدولية - أستاذ الإعلام بجامعة الملك سعود