التفرق معناه الضعف والهوان، والاختلاف معناه التناحر والتباعد والتباغض والهزيمة والانكسار! وفي هذا وذاك إعطاء الأعداء الفرصة السانحة لكي ينفذوا مخططاتهم الشريرة! وفي المقابل فإن توحيد الصفوف يمثل القوة والتفوق في ميادين الحياة، وهذا لن يأتي إلا بوجود التعاون الصادق والتسامح والتناصح والتكاتف بين أفراد المجتمع وعلى مختلف مستوياتهم.
والقرآن الكريم يحث على وحدة الصف، ويحذر من الاختلاف والتفرق، قال تعالى: {وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ...} (آل عمران 105).
إنَّ المجتمع الذي يريد العزة والرفعة وتحقيق الغايات النبيلة لا بد له أن يتحلى بالصفات العظيمة التي يتطلبها الوجود البشري، والتي تساعد المجتمع على أن يكون قادراً على التلاحم والمحبة؛ وبالتالي خدمة الوطن؛ لأنه لا وجود لكائن حي بدون وطن يحتويه. يقال إن سليمان بن داوود عليه السلام عندما جمع المخلوقات كان يراقب عصفوراً يتألم من وجوده في قصر سليمان، وعندما سأله نبي الله عن سبب هذا التألم قال العصفور أريد وطني يا سليمان، فأمر بإطلاق سراحه وذهب هذا العصفور طليقاً، وأرسل سليمان أحد جنوده ليتعرف على وطن العصفور فوجده على غصن شجرة في صحراء جرداء وهو يغرد بصوت مرتفع.
يا لله العجب حتى العصافير تحنّ إلى الوطن ونحن أبناء البشر يتنكر بعضنا كثيراً لوطنه، وها نحن نجد أن بعض أبناء هذا الوطن المعطاء يتسابقون في التنكر له بل والإساءة إليه وإلى تاريخه وعدم الوفاء لمكانته، ونجد أن الانتماء للوطن لا يمثل في حياة هؤلاء أي شيء يُذكر رغم علمهم أن الوطن يحتاج إلى أبنائه كما يحتاج الثرى إلى المطر، وأن التضحيات في سبيل الوطن بالمال والدم والولد والروح هي من أسمى الفضائل وأعلاها مرتبة. نعم، إنَّ المجتمع بأسره مدعو لخدمة الوطن وعدم الالتفات إلى أصحاب العقول المريضة التي أساءت إلى اسم الوطن وإلى أهله، فما الذي يمنع لو تكاتف الجميع رجالاً ونساءً تجاراً وأصحاب الملايين التي تعيش خارج الحدود للمساهمة في خدم وطنهم والوقوف مع الدولة لإيجاد المشاريع النافعة، ومن أهمها في هذه الأيام مشاريع الصرف الصحي وتصريف السيول، ليس في جدة وحدها رغم أنها المتضرر الأكبر، بل في كل مدن المملكة، ولو تم ذلك فإنه يمثل المصلحة العامة والمشتركة التي لا غنى للوطن عنها ولا للمواطن، وهي مصدر من مصادر القوة ودفع الضرر وجلب الخير! لقد سئم المواطن من تعثر هذه المشاريع، وها نحن ندعو رجال الأعمال إلى المساهمة، وكما قال المثل (ربع تعاونوا ما ذلوا)..
لا نريد منكم إلا ما يُحتّمه عليكم الواجب الوطني والإنساني، ومساهمتكم مع دولتكم هي مطلب ضروري؛ فهل تقبلون أن نغرق وأنتم تتفرجون؟! نعم، إن بلدنا غني - ولله الحمد - ورغم هذا فإن تحقيق الرقي والازدهار لن يأتي إلا من خلال تعاون الجميع حكومة وقطاعاً خاصاً، فهل أنتم فاعلون؟