كنت أعتقد في فترة سابقة أن البنود غير الرسمية التي يعين عليها المواطنون في مؤسسات الدولة وأجهزتها المختلفة لا تتجاوز خمسة بنود. أعرف مثلا بند الأجور وهو بند قديم لم يطور يطبق كسلم وظيفي بأربع فئات وبند محو الأمية المخصص فقط لمعلمات الكبيرات وبند 105 في تعليم البنات وبند الساعات ولا أدري هل هو حي حتى اليوم أم أزهقت روحه ثم بند الأجر اليومي.
فاجأني القراء الكرام في ثنايا ردودهم على مقالي السبت الماضي بأسماء بنود لم أسمع بها من قبل مثل بند تشغيل العمرة وبند حمى الوادي المتصدع بوزارة الزراعة وهو بند مستحدث لمواجهة أزمة طارئة راتب الموظف المعين عليه لا يصل إلى ألفي ريال وبند رفع الكفاءة بأمانة مدينة الرياض وأغلب موظفيه جامعيون معينون بعقود سنوية مؤقتة يعانون من التجميد منذ عشر سنوات وبنود صناديق الطلاب والطالبات بالجامعات وهي بنود غير مستقرة يهدَّد موظفوها بإلغاء عقودهم في أية لحظة.
يصل العدد الإجمالي لتلك البنود مائة وتسعين بندا يشغلها مائة وستون ألف موظف وموظفة في كافة قطاعات الدولة يعيشون في حالات من القلق والترقب ويعانون من عدم الاستقرار في ظل غياب الأمان الوظيفي وتسرب الخوف إلى قلوبهم في كل لحظة خشية إلغاء عقودهم علاوة على ضعف المرتبات وتوقف النمو المهني لسنوات طويلة وفقدان الأمل بتحسن الأوضاع في المستقبل وهي ظروف مقلقة ومحبطة لا تمكّن من يعيش في أجوائها من تقديم العطاء المطلوب ولا تطوير مهاراته وقدراته ولا التخطيط لمستقبله لأنه سيكون مشغولا بمشكلته وكيفية حلها ومتى تحل؟ وهل الحل قريب أم بعيد؟ ولماذا لا يساوى بزملائه الرسميين؟
الملاحظ أن هذه البنود ليست إلا بنود طوارئ استحدثت لمواجهة أزمات أولسد نقص في الكوادر الرسمية أو لمقابلة الشح في الوظائف كحلول مؤقتة. قد تصلح ليعين عليها متعاقدون غير سعوديين تنهى عقودهم حال انتهاء المهام التي استحدث البند من أجلها أما أن يعين عليها مواطنون فلا أعتقد أن مثل هذا الإجراء مقبول من الناحية العملية فالمواطن يبحث عن الوظيفة الرسمية الدائمة لتوفر له الاستقرار والراحة النفسية وتفتح أمامه آفاق المستقبل ليخدم وطنه بالصورة المُرْضِية.
حتى لا تكبر هذه المشكلة وتستفحل لتتحول إلى جبل جليد يخفي أسفله مشكلات قد تطفو على السطح في أية لحظة لتتعقد الأمور وتصعب الحلول وربما تستحيل فالآمال الآن معقودة فقط على توجيه القيادة العليا لوزارتي المالية والخدمة المدنية بدراسة المشكلة وتقديم حلول جذرية وبحسب جهات رسمية فهناك 185 ألف وظيفة رسمية شاغرة تستوعب كل من هم على البنود وتزيد ليتم بعد ذلك إلغاء البنود المؤقتة والاستعاضة عنها بوظائف رسمية تستحدث سنويا تخصص للمعينين الجدد. جميل أن تأتي الحلول متدرجة لتسمح باستيعاب موظفي البنود الحاليين وتسهم في القضاء على البطالة وأرقامها المتزايدة.
ليس من مصلحة الدوائر الحكومية الاستمرار بالعمل في ظل هذه البنود الهزيلة والفقيرة. يعين عليها خريجون جامعيون للعمل في مرافق حيوية وهامة يفترض أن يكون موظفوها في وضع وظيفي جيد يمكنهم من التركيز في أعمالهم. مشكلة البنود احتلت مساحات من الطرح الإعلامي ويبقى الجميع منتظرين للحل النهائي والحاسم حتى لا نكرر طويلا موال الترسيم.