يحتل العمل الخيري في الإسلام شأناً عظيماً فقد حث الإسلام على أعمال البر والخير والتعاون فيما يخدم الإفراد والمجتمع، ويُمكن الجزم بأنّه لم يحظ العمل الخيري في أي ثقافة أخرى بمثل المكانة التي حظي بها في الثقافة الإسلامية، ويتضح ذلك من خلال الآيات العديدة والأحاديث الشريفة التي تُعلي من قيمة العمل الخيري، ولعل الآية الكريمة تحمل توجيهاً عاماً للمسلمين حيث يقول جلّ قائل {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى} (المائدة: 2)، وبشّر الله من يقوم بالأعمال الخيرية بالأجر والثواب العظيم، يقول الله سبحانه وتعالى {وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا} (الإسراء: 9)، ويقول الله تعالى: {يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ} (آل عمران: 114). وبشّر القائمين بأعمال الخير بالمثوبة العظيمة، قال تعالى: {لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} (النساء: 114)، وفي الحديث الشريف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(أحبّ العباد إلى الله تعالى أنفعهم لعياله)، ومما لا شك فيه أنّ القيم الدينية التي تحثّ على فعل الخير والتعاون بين الناس لها أثر كبير في نفوس أفراد المجتمع في المجتمعات الإسلامية ومنها المملكة العربية السعودية. ويتسم العلم الخيري في الإسلام بعدم قصره على مجال دون مجال فكل ما يخدم الفرد في دينه ودنياه فهو من أعمال البر والخير.
إنّ أهمية العمل الخيري تزداد في وقت تشهد فيه المجتمعات تغيرات اجتماعية واقتصادية وكوارث بيئية وتحولات مناخية مما يتطلب الاهتمام بالقطاع الخيري، وتهيئته للقيام بدوره في مساندة أجهزة الدولة. وتتعاظم الحاجة إلى العمل الخيري إذا أدركنا أنّ المشكلات التي يواجهها أفراد المجتمع في وقتنا الحاضر قد تعددت وتعقدت، وبرزت احتياجات لم تكن موجودة في السابق نتيجةً للتطور الحضري والتغيرات الاجتماعية والاقتصادية التي شهدها المجتمع، وأمام ذلك أصبح من الصعب على قطاع واحد وهو القطاع الحكومي مواجهة تلك المشكلات أو إشباع تلك الاحتياجات، لذا فإنّ الأمل معقود على الجهود الخيرية في المساهمة في خدمة المجتمع جنباً إلى جنب مع الجهود الحكومية والمشاركة في خطط التنمية الشاملة.
لقد أصبح العمل الخيري في وقتنا الحاضر قيمة لا غنى عنها لأي مجتمع وظاهرة اجتماعية تفرض وجودها على الإنسان وأصبح حجم الانخراط فيه رمزاً من رموز تقدم الأمم وازدهارها، كما أنّ تطور العمل الخيري في المجتمع انعكاس لتطور المجتمع ومستوى النضج لأفراده.
إنّ العمل الخيري ليس سدّاً لثغرةٍ في منظومة الرعاية الاجتماعية أو جانباً ثانوياً أو مكملاً لأنظمة المجتمع لكنه نظاماً مجتمعياً وركناً أساساً لا غنى لأي مجتمع عنه كبقية الأنظمة المجتعمية. فالعمل الخيري ضلعاً مهماً في مثلث المسئولية المجتمعية في تقديم الخدمات متضامناً مع القطاع الحكومي والقطاع الخاص. كما تنبع أهمية العمل الخيري من عائده الاقتصادي على الدولة، فأظهرت دراسة أنّ التبرعات الخيرية تُشكل ما قيمته 2.2% من الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي، كما أنّه يُسهم في معالجة مشكلة البطالة، ففي الولايات المتحدة الأمريكية يوظّف القطاع الخيري 10.2 مليون نسمة، وهو يمثل 6.9% من مجموع القوة العاملة في الولايات المتحدة الأمريكية. بالإضافة إلى ذلك يبرز دور العمل الخيري في توسيع رقعة المشاركة الشعبية وتحمل المواطن المسئولية في اتخاذ القرارات وتنفيذها.
ولأهمية العمل الخيري ودوره في المجتمع اهتمت به الدول الغربية حيث تطور فيها تطوراً كبيراً وفاق مجتمعاتنا العربية والإسلامية، واستشهد ببعض الإحصاءات التي تعبر عن ما وصل إليه العمل الخيري من مكانة في الولايات المتحدة الأمريكية كبلد بلغ العمل الخيري فيها شأن كبير:
1 بلغت نسبة الأسر اللاتي تتبرع لأعمال خيرية 89% من الأسر الأمريكية.
2 بلغ متوسط التبرع السنوي للمتبرعين 6075ريالا.
3 وصلت التبرعات لأعمال خيرية في عام 2007 إلى 1177.5 مليار ريال.
4 55% من الأمريكيين يقومون بالتطوع في أعمال خيرية.
5 83.9 مليون من الأمريكيين البالغين يتطوعون، وهذا يُعادل ساعات العمل لأكثر من 9 ملايين من الموظفين الرسميين ويُمثل ما قيمته 896.25 مليار ريال.
ولعل أهم الركائز التي أدت إلى هذا التطور في الدول الغربية هو الاهتمام بجانب البحث العلمي في العمل الخيري ودعمه فانتشرت المراكز البحثية المتخصصة والبرامج العلمية لدراسة العمل الخيري مما أسهم في تأطير العمل الخيري وتقنينه ورسم سياساته وآلياته وبرامجه وكسب ثقة المجتمع في مؤسساته. وفي هذا السياق أظهرت دراسة في الولايات المتحدة أنّ المؤسسات التعليمية جاءت في المرتبة الأولى كأفضلية للتبرع من بين المؤسسات الأخرى من قبل المتبرعين الميسورين.
لقد تطور العمل الخيري في المملكة العربية السعودية على المستوى الكمي والنوعي في السنوات الأخيرة لكن مازال دون التطلعات بالرغم من وجود أرض خصبة للعمل الخيري تتمثل في القيم الإسلامية، التي أعلت من شأن العمل الخيري، والدعم الذي تقدمه الدولة، والعادات الاجتماعية الحميدة التي يتميز بها المجتمع السعودي. ويرجع ذلك إلى عدد من الصعوبات التي تواجه العمل الخيري لعل من أبرزها ما يتصل بأسأسة العمل الخيري وتحديد مفهومه وأنظمته، والتمويل والاستثمار في العمل الخيري، والتوظيف في المؤسسات الخيرية، والتنسيق المؤسساتي.
إنّ أهمية الدور الذي يضطلع به العمل الخيري في المجتمع الحديث يدعونا إلى تكثيف الاهتمام بالجانب البحثي في العمل الخيري وتبني منهجية بحثية علمية، فالبحث العلمي هو الأساس لمنتج متطور، ومن هنا تأتي أهمية إنشاء كرسي الأمير سلطان لدراسات العمل الخيري كمنهجية علمية مؤصلة لدراسة العمل الخيري من مختلف جوانبه وتجلية القيم والمعاني الإسلامية فيه ومراجعة آلياته ومعالجة معوقاته لتنميته وتطويره ليقوم بدوره المأمول منه بفاعلية وكفاءه جنباً إلى جنب مع الجهود الحكومية وليأخذ مكانه الطبيعي ودوره الريادي.
وختاماً، الشكر لله أولاً وأخراً ثم لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ممثلة في مديرها رئيس مجلس كراسي البحث معالي الشيخ ا.د. سليمان بن عبدالله أباالخيل على مبادرة الجامعة في احتضانها لهذا الكرسي الذي يحمل شخصية اقترن اسمها بأعمال البر والخير في الداخل والخارج صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز أسبغ الله عليه لباس الصحة والعافية الذي تعددت وتنوعت أعماله وجهوده الخيرية في كافة المجالات الاجتماعية والصحية والتعليمية والإسكانية والتأهيلية والبحثية، ليكون هذا الكرسي مصدراً من مصادر المعرفة في مجال حيوي هو العمل الخيري وفي معقل من معاقل العلم في بلادنا المباركة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ليكون بإذن الله شعلةً تُضيء في مجال العمل الخيري يستفيد منها المجتمع بأفراده ومؤسساته بل إنّ ثمرة هذه المشروعات البحثية الخيرية لن تقتصر على المملكة فقط بل تمتد إلى خارجها.
أستاذ كرسي الأمير سلطان لدراسات العمل الخيري