ما حدث في مصر له قراءاته وتحليلاته المختلفة، وله بواعثه العديدة... تلك شؤون يخوضها من شاء، بعُد أو قرُب من مسؤوليته عنها، أو مساسه بها، أو علاقاته بجزء منها، فهو شأن مصر، حين تكون مصر قادة وشعباً، وشأنها حين تكون واقعاً معاشاً، وحاجات ناقصة، ومعيشة ضنكى، حالها حين تكون أناساً يأكلون، ويلبسون ويسكنون وتتاح لهم الأنفاس في براح هواء, أو يكونون طبقات، ومستويات، في فقر وغنى، وذل وعز، وممكن وغير ممكن...
أما شأن من هم خارج عنهم، فتلك إما مصالح تحرض ذي الحاجة منهم لأن يصبح شرارة في هشيم الموقف، أو يتخطى النوايا فيبدو مواطناً لا تعنيه إلا بلاده التي كانت ولا تزال, ذات عراقة، وموقع صدارة في تاريخها...
مصدر علم حين كانت المصدر، والمكمن للعلوم، والفنون والحضارة العريقة... بإنسانها العريق في فكره، وعلمه, ومبادئه، وقيمه... مقصد القربى والبعيدين، مورد العلم والمعارف والحضارة.
ما الذي بدا في مشهدها الأخير يتعثَّر الناس في كل جوانبها بالجثث، وتقتلع القواعد من تحت الأقدام، وتنقض الجدر بمن يحتمي، وتسقط السقف على رؤوس المستريحين، وتنقطع التغذية عن صدور المرضى، ويفزع الأمن بسطوة اليد، وتسلب الممتلكات من عقر الدور، وتنهار الواجهات ببضائعها بانهيار الأخلاق، وانفلات الأعصاب، والفراغ من موجبات الأخلاق...
فهل هؤلاء هم الشعب المصري حين يطالب بحق..؟ هل هي أخلاق الفقراء النبلاء حين ترتفع أصوات بطونهم..؟
أم هي اندفاعة المجروح الذي أُريقت على جروحه مثيراتها من الملح والفلفل والأسيد..؟
أم تلك التي حرّضتها مغريات خفية، وراءها مطامح أوسع وأغراض أكبر، ونوايا أشد عليها من قبضة الحديد..؟
من الذي استطاع أن يدخل في القلوب فيغيرها..؟، أهي الحاجة من البطالة والفقر فقط..؟
أم وراء كل ما يحدث في مصر مخطط يبدأ ولا ينتهي، له علائق بتونس والأردن والجزائر وتكتلات السوريين قهراً من الأسعار تؤذي الكواهل وتحبط القدرات..؟ وما انبعثت عليه انفصالية السودان..؟ وما تنز به شوارع ومجالس الجماعات والأفراد في الوطن العربي..؟
وهل يمكن أن تنبعث شرارة فتلحق ثياب كل المجتمعات العربية.. معاً، وفي آن دون أن يكون من وراء ذلك ليس فقط المطالب المطروحة, بل الأيدي,.. والأصوات الخفية الأخرى..؟
مصر لا أتوقع أن يكون أفرادها على هذه الشراسة في خلق الحاجة.. وسلوك المحتاجين..
مصر بوق, لا بد أن تفسر كل نبضة في وتر صوت شارعها على ما يبين ما فيه من المخفي، ويفسر مَنْ وما وراءه من الحقائق.
بلطجية مصر، ممثلون... ولكن لمصلحة من..؟