لماذا جدة بالذات تغرق دون غيرها من المدن الساحلية بالمملكة، فعلى الساحل الغربي مدن: حقل, ضبا, الوجه, أملج, ينبع, رابغ، جدة, القنفذة, القحمة, جيزان, الموسم. وعلى الساحل الشرقي المدن التالية: الخفجي, الجبيل, رحيمة, راس تنورة, صفوى, القطيف, الدمام, الخبر, الثقبة, بقيق. إذن: لماذا غرقت مدينة جدة دون المدن الأخرى؟ قد يقول قائل إن تعداد سكان جدة يفوق تعداد أي مدينة ساحلية، لكن المدن الأخرى هي أيضاً فيها كثافة سكانية على سبيل المثال الدمام لكن الفرق بين المدن الساحلية ومدينة جدة أن المدن الساحلية تنبهت وربما عملت بقرار الملك عبدالله بن عبدالعزيز قرار الشواطئ الشهير الذي ينص على عدم البناء والتملك على الشواطئ بصفتها مرافق عامة وللدولة إلا جدة التي لم تنفذ القرار بما يجب، حيث دفنت البحر وأوجدت أكثر من محور معماري ومنشآت ومساكن خاصة وشاليهات وبيوت مطلة على البحر لتتحول تلك البيوت والمساكن والمشاريع إلى متاريس وسدود أسمنتية في وجه مياه الأمطار المحلية والمنقولة المتجهة من الشرق إلى الغرب لتصطدم بالسدود المعمارية وترتد إلى وسط جدة وتصبح المدينة حبيسة الأودية ومجاري المياه من الشرق والمشروعات والشاليهات والمساكن من الغرب ويقابل ذلك عدم وجود بنية تحتية لتصريف مياه السيول.
دول العالم تعرف حقيقة استيطانية تقوم على التجربة الإنسانية هذه الحقيقة هي احترام الأودية والشعاب في المدن الداخلية ومجاري الأودية ومسار المياه في المدن الساحلية، لأن صرف المياه دائماً إلى البحر وإلى الأنهار والسبخات ومصائد المياه الطبيعية: الرياض والخبراوات والفياض والقيعان، وجدة المصرف الطبيعي والأزلي طوال تاريخها هو البحر؛ فجبال وهضاب وحافات جدة الشرقية تصرف مياهها عبر الأودية والمجاري من تلك الهضاب شرقاً إلى نقطة الصفر شواطئ البحر الأحمر، وإذا أغلقت تلك المجاري فإن ارتداداتها ستحمل الخطر والموت والدمار، كما حدث لجدة السنوات الأخيرة ومهددة شواطئ مملكتنا الشرقية على الخليج العربي لنفس المصير إذا لم تحترم مجاري ومسالك مياه الأمطار التي تقصد البحر الأحمر والخليج العربي.