كأن لم يمت حي سواك ولم تقم
على أحد إلا سواك النوائح
لأن حسنت فيك المراثي وذكرها
لقد حسنت من قبل فيك المدائح
استهللت بالبيتين السابقين، لعظم وقعهما في النفس ولاستحقاق فقيدنا لهما. كيف لا وهو الشهم الجواد، صاحب الرأي والعزيمة، والذي نرجو أن يجعله الله في منازل الشهداء، كما أفتى إمام زمانه العلامة ابن باز (في أموات الحوادث المرورية بأنه يرجى لهم الشهادة لأنه من جنس صاحب الهدم) فتاوى نور على الدرب.وافت المنية فقيدنا، فانتهى الأجل وطوي الكتاب، وذلك في العام المنصرم 1431هـ، كان خبر نعيه وانتهاء أمد حياته، كالصاعقة المدوية تهز المكان وتبلغ فيه أعظم الأثر وأكبره، والفراق أمر محتوم على البرية أجمع. ولا ينفع الإنسان في آخرته إلا ما قدم من الصالحات في دنياه، ولفقيدنا من ذلك حظ وافر. كان شعاره التواضع ظاهراً وباطناً، فمن لبس التواضع وامتطاه وقنع بالله فيما آتاه نال المنى في الأولى والأخرى، فإذا انضاف إلى ذلك الحكمة في الأمور وحسن التدبير والنظر في العواقب أصبح صاحبها في صفوف الساسة والقادة، وكذلك كان فقيدنا. كان رحمه الله هش التعامل براق المحيا، ذكياً، زكياً، متنافسا في المكارم، مسارعا في المغانم، يشتري الحمد بالجود، لا يعتد بمعروف لم يجعله، لا يمل حوائج الناس، بل يتلذذ بها. يعرف ذلك القاصي والداني. كيف لا يتلذذ وهو يرى المعروف رجلاً حسناً جميلاً يسر الناس إذا نظروا إليه. كان يعطي من لا يرجو، كان يعفو عن قدرة، كان يصل عن قطيعة، جاد فساد، والكثير من الدهماء كانوا لا يدرون ما فواضل كفه على الناس حتى غيبته الارض في باطنها فعرفوا وأيقنوا وخضعوا. طاب حرثه، فزكا نبته، والفروع عند مغارسها تنمو وبأصولها تسمو أصلحهم الله وهداهم.
نسأل الله رب البريات، أن يسبغ عليه فيض الرحمات، وأن يفتح له باباً إلى الجنات، فله وحده الحمد في الأرض والسماوات، لا يخيب أصحاب النداءات، وصلى الله وسلم على أشرف البريات وآله وصحبه إلى الممات.