طالعت خبراً في هذه الصحيفة يوم الاثنين 28-1 عنوانه: (معلم ينقذ طالباً تعرَّض لبلع لسانه بالجبيل).. فتذكرت البيت التالي:

قم للمعلم وفه التبجيلا

كاد المعلم أن يكون رسولا

فبهذا البيت الشعري الجميل والمشهور كنار على رأس علم لأمير الشعراء أحمد شوقي يبيّن مكانة المعلم الجميلة سابقاً ودوره في توجيه المجتمع ومساهمته في إعداد جيل يُساهم في مشاريع التنمية، ولكن للأسف أن هذا البيت الشعري الذي نراه معلقاً في ساحة كل مدرسة وجدار كل فصل تبدَّل وضعه.. وتغيَّر مضمونه.. وتبددت أحلامه لجيل المعلمين الحالي.. وأصبح من الإرث الجميل للمعلمين يتغنون على ليلاه.. وانتهى به الحال إلى الأطلال والذكريات بعد أن كان علماً مشهوداً للعيان.. وحقيقة قيادية بين الناس، فلماذا تبدَّل الحال؟ ولماذا أصبح دور المعلم ثانوياً؟ ومن أضاع وحجَّم تلك الهيبة؟

جملة من الأسئلة تتزاحم في الأفواه ولا تنتهي.. تستفسر عن مسلك طريق المعلم الذي آل إليه من دون رغبته، فهيبة المعلم تحطمت وذهبت أدراج الرياح بسبب ما نقرأه ونسمعه من تهجم الطلبة على معلميهم أو تهشيم سياراتهم، فالمعلم في المدرسة يتحاشى الطالب خوفاً على مستقبله الوظيفي.. أو شكوى يهدد بها الطالب معلمه لأدنى سبب غير منطقي، فالمعلم يرى نفسه بين طلابه شخصاً غريباً بينهم لا يربطه بهم إلا مبنى مدرسي.. ينتظر جرس نهاية اليوم الدراسي ليغادره على عجل ليتنفس الصعداء.. وهذا هو واقع المعلمين وتشخيص لوضعهم الاجتماعي والمهني المتردي سنة بعد سنة.. أما من النواحي الشخصية للمعلمين.. فهم يعانون من ندرة المزايا لكادرهم أو انعدامها.. والتي يأتي على رأس أولوياتها وأهمها (التأمين الصحي) لهم وأهميته لهم مقارنة بما يتعرَّض له المعلم من ضغوط نفسية عملية واجتماعية تسبب له متاعب صحية مع مرور الوقت والسنين، فالمعلم يقوم يومياً بإعداد عدة دروس ذهنياً وكتابياً وشرحها لمئات الطلاب في عدة فصول وتلقي استفساراتهم ومناقشتهم ويقوم بإعداد الأسئلة المختلفة والمتنوعة وتصحيحها أو مراجعتها والإشراف اليومي والمراقبة على الطلاب في الصباح الباكر وعند خروجهم من المدرسة وإعداد الأنشطة اللا صفية والصرف عليها من جيبه الخاص.. وتلقي توجيهات وعجائب مشرفيه ويلتقي بأولياء الأمور ويناقش معهم مستويات أبنائهم ويجهز دفتر تحضيره بشكل يومي.. وغيرها الكثير من الضغوط اليومية داخل مبنى مدرسي يضم مئات الطلاب.. بل وتتجدد تلك الضغوط كل عام حتى يصل المعلم إلى النهاية لسن الستين (التقاعد).. فمن باب أولى.. وفي ظل هذه الظروف والضغوط على المعلمين أن يحظوا برعاية طبية حتى يقوموا بعملهم الهام على أكمل وجه وأحسن حال، ومن وجهة نظر أخرى.. فالمعلم هو الوحيد من بين موظفي الدولة الذي لا يحصل على إجازته عند رغبته وحاجته لها في الوقت المناسب الذي يفضله.. بل هي مقررة مسبقاً ومفروضة عليه في شهور الصيف بالتحديد ولمدة شهر واحد فقط بعد استثناء إجازة عيد الفطر التي يتمتع بها جميع موظفي الدولة، فالمعلم حين يرى الموظفين الآخرين من حوله يرى البون الشاسع في المزايا والتقدير والارتقاء الذي يحظى به الآخرون، فتارة يُعدل للآخرين كادرهم الوظيفي للأفضل.. وتارة يفرض لهم بدل سكن سنوي.. وهناك من ميّز موظفيه بعيدية.. فيُصرف لهم راتب شهر إضافي، وآخرون أراحوا موظفيهم بخيار الشيك الذهبي.. وهذا يدل على الحرص لديهم.. وترتفع نسبة الأداء والتشجيع على المزيد من العمل والعطاء والإنتاجية الفردية.. بعكس المعلمين الذين لا يزالون يبحثون عن فروقاتهم المالية وحقوقهم المادية التي ذهبت عليهم بعد ما تم تعيينهم على مستويات أقل من مستوياتهم المستحقة ولمدة سنين عديدة.. فهنا يكمن لفرق بين هذا وذاك!! فهذه السلبيات والمُحبطات جعلت من مهنة التعليم مهنة غير مرغوبة.. فلا تغيير ولا تحفيز ولا ترغيب ولا مزايا لها بالرغم من أنها ركيزة هامة من ركائز المجتمع التعليمية والثقافية والتربوية، فالمنتظر والمؤمل أن يكون هناك انتشال كامل.. وإعادة صياغة مهنة التعليم وإعادة تطويرها بالخطط الفاعلة المحفزة.. بما يتواكب مع قيم وأهمية دور المعلم في المجتمع في ظل ما حظي به جهاز التربية والتعليم من اهتمام كريم في ميزانية الخير والنماء والتطوير.

عبد العزيز بن سعد اليحيى - شقراء