فاصلة:
(إنها لغلطة كبيرة أن يثق المرء بالجميع وألا يثق بهم)
-حكمة لاتينية-
إذا وصلت الأرض التي ستقضي فيها سنوات الدراسة فلا بد أن لديك مجموعة من نصائح الأصدقاء الذين خبروا الغربة أو حتى الذين لم يخبروها.
من ضمن النصائح التي تعجبّت لها أن من الأفضل عدم الاختلاط بالسعوديين لأنك سعودي.
عندما سمعت هذه النصيحة للمرة الأولى تساءلت كيف أبتعد عن أبناء بلدي فمن يعينني على الغربة، وكيف أتحمل لوعة الحنين إلى بلدي؟.
وبما أنني لم أقتنع بالنصيحة فقد خالطت الكثير من السعوديين في مانشستر.
خاصة ممن لديهم أطفال لأضمن صداقات جميلة لبناتي الصغار.
أنت في الغربة تقف على أرض ليست ممهدة بل وعرة ولا تعرف كيف يمكن أن تكون حياتك فيها، الغربة تجربة مغلّفة بالقلق.
بعد أن تعيش يومياتك في البلد الغريب وتألف المدينة وتعتاد تفاصيلها تبدأ في غربلة النصائح التي حملتها معك في حقيبة سفرك من بلدك إلى الغربة.
أحياناً تكتشف صدق تلك النصائح التي تتحوّل إلى قناعات غير قابلة للتغيير وأحياناً تكتشف سذاجتها.
الاختلاط بالسعوديين في الغربة ليس كما يصفه البعض الذي تطرّف في الحكم عليهم بأنهم بسطاء ويهتمون بصغائر الأمور وإذا اختلط المبتعث بهم أضاع اللغة الإنجليزية وأضاع معها رغبته في الانفتاح على الثقافة المختلفة.
من تجربتي الخاصة فالسعوديون مثل أي شعب على ارض البسيطة فيهم الخير والشر، واستفادتك من خيرهم تتوقف على بصيرتك في انتقاء الخيّرين منهم وفي وضع إستراتيجية لأن يكون في حياتك أبناء بلدك وأبناء البلد الغريب الذي تعيش فيه.
بالنسبة لي تعلّمت ألا أثق كثيراً في صديقات الغربة، لكن بالمقابل فبعض صديقات الغربة منحوني الذي لم تمنحني إياه صداقات أخرى.
فتح الباب على مصرعيه للعلاقات الشخصية من الممكن أن يلهيك عن الهدف الذي أتيت من بلادك لأجله، ويدخلك في تفاصيل ساذجة لمواقف لا تستفيد منها شيء سوى إضاعة الوقت بما لا يفيد، لكن دع هناك في القلب مساحة بيضاء لأبناء بلدك فالأخيار منهم لك عون على الغربة ودفء يحتويك في بلاد الصقيع.