الرياض - خاص بـ(الجزيرة):
أهاب أكاديمي متخصص في العمل الدعوي والإعلامي بالدعاة إلى الله بأن يتحلوا بالحلم والأناة عند دعوة الناس وتوعيتهم بأمور دينهم ودنياهم.. حيث إن الحلم من أبرز الأخلاق التي تتحلى فيها سماحة الإسلام.. وهو من أسماء الله الحسنى.. وصفات الأنبياء والرسل.
جاء ذلك في سياق حديث الدكتور حمزة بن سليمان الطيار الأستاذ المشارك في قسم الدعوة والاحتساب بكلية الدعوة والإعلام بالرياض ل «الجزيرة» عن الحلم وأثره في الدعوة إلى الله.
واستشهد فضيلته بعدد من الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية التي تؤكد على الحلم وأثره الكبير في نفوس وعقول المخاطبين، ودعوتهم والتعامل معهم، كما أورد فضيلته جانباً من مظاهر سماحة الرسول صلى الله عليه وسلم وحلمه، وقال: من مظاهر سماحته وحلمه صلى الله عليه وسلم ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه: «دعوه، وأريقوا على بوله سجلا من ماء - أو ذنوباً من ماء - فإنما بعثتم ميسرين، ولم تبعثوا معسرين»، فقد علم الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث كيف تكون سماحة الأخلاق بالحلم مع الجاهلين، وكيف يكون الرفق بهم وكيف يجب أن يكون الدعاة إلى الله دعاة الحق والخير والفضيلة ميسرين لا معسرين»، وفي رواية أخرى عن أنس رضي الله عنه قال: بينما نحن في المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء أعرابي، فقام يبول في المسجد، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: مه مه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تزرموه دعوه) فتركوه حتى بال، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاه فقال له :( إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول والقذر، إنما لذكر الله - عزوجل -، والصلاة، وقراءة القرآن)، أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال فأمر رجلاً من القوم، فجاء بدلو من ماء فشنه عليه.
وأكد الدكتور حمزة الطيار أن دعوة الناس إلى الإسلام تحتاج إلى الحلم خاصة مع الجاهلين، لأن الحلم يعد من مفاتيح شخصيات كثير من الناس، لأن الداعية حينما يفقد الحلم فإنه يفرق أكثر مما يجمع وينفر أكثر مما يؤلف، ومن ثم فإن تحلي الداعية بالحلم يجعله متسامحاً مع المدعوين مراعياً لأحوالهم وظروفهم وهكذا كان صلى الله عليه وسلم في دعوته فعن أنس رضي الله عنه قال (كنت أمشي مع رسول الله، وعليه رداء نجراني غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي، فجبذه بردائه جبذة شديدة، نظرت إلى صفحة عنق رسول الله وقد أثرت بها حاشية الرداء، من شدة جبذته، ثم قال: يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه رسول الله، فضحك ثم أمر له بعطاء)، ومن أعظم الأمثلة التي ضربها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته والتي تدل على سماحة خلقه وشدة حلمه وعفوه ما روته أم المؤمنين عائشة أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟ فقال: (لقد لقيت من قومك وكان أشد ما لقيت من يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال، فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم استفق إلا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل، فناداني، فقال: إن الله - عزوجل - قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال وسلم علي، ثم قال: يا محمد إن الله قد سمع قول قومك لك، وأنا ملك الجبال، وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك، فما شئت؟ إن شئت أطبق عليهم الأخشبين، فقال له رسول الله: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده، لا يشرك به شيئاً، هذا الحديث يبين بوضوح سماحة الأخلاق والعفو والحلم الذي جبل عليه الرسول صلى الله عليه وسلم يأتي ملك الجبال في ساعة ضيق وحرج من القوم ويأتي إليه لكي ينتصر له وأي نصر ؟ إنه هلاك قوم.
وقال الدكتور الطيار: إن الدعاة إلى الله تعالى أحوج الناس إلى خلق الحلم لأنهم قد يصادفون من المدعوين من هو فظ غليظ، ومن هو متجاوز حده ولا يفلح مع هذا الصنف إلى الحلم وسماحة الخلق، حيث يستطيع الداعية من خلال تحليه بسماحة الخلق أن يستوعب أصناف المدعوين، مشدداً على أن الداعية الحكيم لابد أن يتحلى بسعة الصدر وجميل الصبر حتى تثمر دعوته ويحقق أهدافه، ويبلغ غايته، ويخطئ أفحش الخطأ من يظن أن المشكلات الفردية أو العادات الاجتماعية يمكن أن تعالج بجرة قلم أو قوة سلطان، أو فورة غضب فإن تغيير السلوك الفردي أو الاجتماعي ليس كتغيير شيء من الجماد عن موضعه، وإن فطم النفس عن المعصية إذا ألفتها واعتادت عليها من أشق الأمور وأصعبها، والداعية الأريب يجب أن يكون عارفاً بدوافع النفوس وكوابحها، قادراً على حسن توظيفها واستغلالها حتى لا تقل عزيمته ولا يدب اليأس إلى قلبه، وينكص على عقبيه.
وخلص أستاذ الدعوة والاحتساب إلى القول: إن الحلم هو الأناة والتثبت في الأمر وما يلزم ذلك من ضبط النفس عن الغضب وكظم للغيظ وعفو عن السيئة» والداعية الحليم هو ذو الأناة الذي لا يستفزه الغضب إذا واجه ما يغضبه، ولا يتسرع بالعقوبة، بل يضبط نفسه ويتريث وبعد الأناة يتصرف على وفق مقتضيات الحكمة، وكل ذلك لا يكون إلا بضبط النفس عن الاندفاع بعوامل الغضب ولأهمية خلق الحلم فيجب أن يتجنب العجلة الرعناء في تصريف الأمور، وفي القيام بالأعمال وفي الحكم على الأشياء، واستعجال الأشياء قبل أوانها والسرعة في العقاب دون إمهال تقتضيه الحكمة التربوية، وأن يتجنب الطيش كلما ثارت في النفس ثائرة، وكلما تحرك في النفس دافع من الدوافع لتحقيق مطلب من المطالب، وأن يتجنب سرعة الغضب حينما يصطدم الإنسان بما يثير غضبه أو يخالف هواه.