Friday  28/01/2011/2011 Issue 14001

الجمعة 24 صفر 1432  العدد  14001

  
   

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الثقافية

 

قصة قصيرة:
(من ذاكرة جدار)
عبدالوهاب عبدالقادر الجاسم

رجوع

 

على جدار بيتٍ تعيس، كان من شقائه أن بُني قبالة مدرسةٍ هلكى للمرحلة الثانوية... جرّب طلابها كل أنواع بخاخات الأصباغ... حتى إذا ما انتهى العام الدراسي - أو بالأدق: الأشهر الدراسية في ذلك العام - أخرج صاحب البيت ما وفره من ميزانيةٍ لطلاء جداره ومَكْيَجَتِه ليستأنس به ولو شهراً أو كما حلم مرة ً كاذباً على نفسه بأن الجيل القادم سيكون خيراً من سلفه... ولطالما ضحك على هذا الأمل حدّ القهقهة.

وفي أيام ٍ ثلاثةٍ يكون جداره كخدِّ ذات أربعين خريفاً... لا تشتهي النفس تقبيله، لكن لها أجر الاجتهاد. ولا يغري الطلابَ بذلك الخد إلا أنه بالمجان.

كتب يوماً أحدهم على جداره ذات رجوع ٍ من إجازة:

وهل يُصلِحُ العطارُ ما أفسد الدهرُ؟!

وبقيت هذه العبارة أسبوعاً ؛ فقد صارت نكتة المدرسة إذ ذاك، بل ونكتة الحارة وإمام الجامع... تصوّر! وكلّ ٌ تساءل عن الطالب «خفيف الدم» وقد اشتُهِر دون أن يُعْرَف؟!

بعد هذا الأسبوع عادت الجُمَل السخيفة وملأت جدار المسكين حتى لقد نسي الجميع « الجملة النكتة « ؛ إذ ضاعت كأنما هي سطرٌ في مقال.

لماذا توقف صاحب الجدار عن طلاء بيته بعد سنين؟ إنه لم يهرم ولم يفتقر...

بدأت سنة ٌ جديدة ٌ بطلاء ٍ جديد... فكتب على الجدار أحد المُعِيدين لأكثر من سبع سنوات في هذه المدرسة: يا صاحب البيت! لن تملّ من طلاء خدّ العجوز ولن نملّ من خربشاتنا! لكنك مع السنين سترى أن الأجيال القادمة ستصبح أسخف في تعبيرها مقارنةً بكتاباتنا الراقية في هذا الزمن! فأبق ِ على كتاباتنا وانظر بعد عُمُر ٍ إلى جدران بيوتٍ أخرى ولاحظ الفرق!

!!!!

علامات التعجب هذه ارتسمت على كل وجه، على كل وجهٍ بلا استثناء... والأعجب أن جداره بقي هكذا ليس إلا تلك العبارة ُ ساكنةً منتصفه... كأنما الجلال يحيطها وتهاب أيّ جملةٍ أن تُكتب بجانبها... وكأن الطلاب استصغروا كل كلمةٍ أن تأتي بفصاحة وتعبير تِلكُمُ الكلمات... فماذا فعل صاحب البيت؟

 

رجوع

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة