لم يدر بخلد أحد من المراقبين من أن موجة الاحتجاجات التونسية سوف تنتهي بهذه النتيجة ولم يتوقع أي محلل من المحللين بأن النظام في تونس سوف يسقط في احتجاجات لم تدم أكثر من شهر. ولم أبالغ إذا قلت إن النتيجة فاجأت التونسيين أنفسهم قبل غيرهم بالرغم من التضحيات التي قدمها الشعب التونسي الذي أجمعت أغلب الدول على احترامها لخيارات هذا الشعب الذي يحق له أن يعيش في وطنه معززاً مكرماً كغيره من الشعوب.
وقد عرف عن تونس أنها بلد سياحي صغير نسبياً يؤمها السياح من عدد كبير من الدول العربية والأوروبية والأمريكية وغيرها. والمعروف عن سكان السواحل الهدوء والسكينة ومهارات التعامل مع الآخرين. إضافة إلى ذلك فإن تونس لها تاريخ عربي وإسلامي عريق حيث لعب جامع القيروان دوراً أساسياً في تخريج عدد كبير من العلماء وطلاب العلم الذين أسهموا في نشر الدين الإسلامي في شمال إفريقيا وجنوب الصحراء وأوروبا. ولا يمكن إغفال التضحيات الجسام التي قدمها الشعب التونسي في تحرير تونس من الاستعمار.
وهناك مقولة مشهورة بين الناس (إن الحريق أوله شرارة وإن الغرق أوله قطرة) والشرارة التي قادت الانتفاضة في تونس هو إحراق شخص نفسه عندما منع من ممارسة الكسب الشريف. ويبدو أن الحالة كانت مرشحة للظهور ولكن كانت تحتاج فقط إلى محرك. إن توفير فرص العمل هو حق مشروع لجميع المواطنين في أي دولة من الدول ويجب أن يعطى الأولوية المطلقة فعلاً وعملاً لا قولاً وكذباً لأن الإنسان إذا لم تتوفر له فرص العمل الشريف سيفقد كل شيء وسوف يقدم على أي عمل مهما كانت النتائج ويقول (علي وعلى أعدائي) كما يقول المثل الشهير.
إن ما حدث في تونس مرشح لأن يحدث في بعض الدول العربية لأن نسب البطالة في عموم الدول العربية مرتفعة وفرص العمل قليلة. هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن الفساد الإداري منتشر في بعض الدول العربية وتحتاج هذه الدول إلى إصلاح نظامها المالي والإداري والاقتصادي ليكون موافقاً لتطلعات شعوب هذه الدول. ويجب ألا يغيب عن قادة هذه الدول أن الوقت قد تغير وقواعد اللعبة يجب تغييرها أيضاً لأن الإعلام الآن أصبح بيد الشعوب أكثر من الدول عن طريق الجوالات والفضائيات والمواقع الإلكترونية وغيرها والتي تستطيع أن تقود الشارع.
ولا شك أن الحلول متاحة لدى عموم الدول العربية عن طريق إقامة المشروعات الاقتصادية والاجتماعية وعدم الاعتماد على الدول الأخرى في استيراد أغلب السلع الصناعية والغذائية. إن أغلب الدول العربية اليوم تقوم باستيراد الدبابيس والمساطر والملابس والأقلام والحقائب والأحذية والبسكويت ولعب الأطفال والفرش والأغطية وغيرها من الصناعات الخفيفة والتي لا تحتاج إلى مهارات عالية أو رؤوس أموال كبيرة فلماذا لا تقام هذه المصانع؟ علماً بأنه يمكن أن تنشأ هذه الشركات والمصانع عن طريق مساهمة المواطنين أنفسهم برأس المال والدول تقع عليها مسؤولية التخطيط والإشراف عن طريق إحداث وزارات للصناعات الخفيفة.
إنه من المؤسف حقاً أن نجد أغلب الدول العربية غنية بمواردها البشرية والمائية والحيوانية والزراعية وغيرها ونجد الشباب العربي يبحث عن الخروج من أرضه إلى بلدان أوروبا وأمريكا في رحلات مهلكة وغير قانونية بحثاً عن مصدر رزقه كما أنه من المؤسف أيضاً أن تكون الأرصدة المالية الكبيرة مجمدة في بنوك أوروبا وأمريكا وغيرها دون استثمارها في المكان الصحيح داخل الدول العربية ولا أبالغ إذا قلت إنه لو تتاح الفرصة للشباب العربي للخروج للعمل خارج الدول العربية لكان الرقم مهولاً ولسوف تختلف النسبة السكانية التي تشير إلى أن 40% من الشعب العربي دون سن الخامسة والعشرين والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
- عضو هيئة التدريب بمعهد الإدارة