عشنا مصيبة عائلة فتاة شنيف، وتابعنا معاناتهم منذ ساعات سقوطها في البئر الذي وصل قعره لأكثر من خمسين متراً، وقعت وهي تتحدث مع قريباتها، حيث لا تعلم أن حتفها تحت قدميها، إلا أن هذا قدر أراده الله لفتاة لم تتخطَ الاثنين والعشرين عمراً، لتلقى وجه ربها راضية مرضية، وهذا ما نرجوه لها، إنها من الشهداء الأحياء الذين عند ربهم يرزقون، لقد أحسنت والدتها الظن بربها حينما سؤلت عن ابنتها وهي في قاع البئر لبضعة أيام، إنها لا زالت حية: حية مع الشهداء والصالحين الذين عند ربهم يرزقون... إن مصيبة عائلة فتاة شنيف مصيبة أبناء بلادنا الذين عاشوها اثني عشر يوماً بألم وحسرة، وهم يتابعون وسائل الإعلام التي تتابع أحداث إخراجها من البئر الذي لا تزيد فوهته عن خمسين سنتيمتراً، وهذا أحدث صعوبة على رجال الدفاع المدني في سرعة الوصول إلى الفتاة، وهي على قيد الحياة في ساعاتها الأولى من وقوعها، إلا أن مختلف الجهات الرسمية استنفرت مختلف وسائلها وجندت رجالها، والاستعانة بشركات وطنية وعالمية وخبرائها من أجل إنقاذها حيث واصل مئة ضابط وفرد من الدفاع المدني والجهات المساندة على مدار الساعة وهم يواصلون الحفر العمودي والأفقي على عمق أربعين متراً بالآليات الضخمة من الحفارات، والداركتورات، والشياولات، ورافعات المياه من الليات والمواطير لتخفيف المياه من البئر، لانتشالها وعدم بقائها في قاع البئر، ووصولها إلى سطح الأرض وتسليمها عائلتها سليمة، ولم ييأس رجال الدفاع المدني الذين أرخصوا وقتهم وبذلوا جهدهم وضربوا الخيام وعسكروا قرب البئر وواصلوا ليلهم مع نهارهم، وتابعوا الحفر وتحملوا بعد قاع البئر وصلابة جلاميد صخره الذي من الصعب اختراقها سريعاً، إلا أنهم لم ييأسوا وواصلوا الحفر وجهزوا مختلف وسائل الإنقاذ التي لم تتوقف لاثني عشر يوماً لإخراج الفتاة حية أم ميتة، ولا تترك ويطمر البئر الذي وقعت فيه بمتابعة سمو أمير منطقة مكة المكرمة، ومعالي محافظ الطائف، ومعالي مدير عام الدفاع المدني، وكبار المسؤولين بتوجيه من ولاة الأمر الذين عاشوا مأساة عائلتها، على ألا تترك ابنتهم مجهولة المصير... وهذا إن دل على شيء إنما يدل على اهتمامهم لسلامة الإنسان بمختلف الوسائل التي يرخصون لها الأثمان، لأن الإنسان على هذه الأرض الطاهرة له قيمة غالية حياً وميتاً... إلى أن وصل رجال الدفاع المدني موقع سقوط الفتاة، فأنزلوا الغواصين بكبسولة مخصصة لإنقاذ وإخراج الغرقى الذين يصعب الوصول إليهم بوسائل إنقاذ بدائية، لكي يصلوا إلى الفتاة وينتشلوا جثتها التي لم تتحلل أو تختلف ملامحها على الرغم من طول مدة بقائها، وأخرجوها وهي بردائها وحجابها وسلموها لعائلتها يتولون غسلها وتكفينها والصلاة على روحها والدعاء لها، والتحلي بالصبر الذي فيه بشرى لهم من الله لاسترجاعهم وقبول المصيبة والرضى والتسليم بما أراده الله، وقلوبنا تدعو لها بالرحمة ولعائلتها بالصبر والسلوان... فقد عشنا مصيبتهم وترحمنا وعطفنا على فقيدتهم، لأننا جسد واحد في توادنا وتراحمنا وتعاطفنا إذا اشتكى منا عضو تداعت له سائر أجسادنا بالسهر والحمى.
- بريدة - نادي القصيم الأدبي