من وقت لآخر أذهب لشرب القهوة في أحد المقاهي بالرياض وخصوصاً في هذا الجو الجميل الملبد بالغيوم والأمطار والخيرات.. أقرأ الصحف المحلية، أشاهد (الرايح والجاي) ممن يمارسون رياضة المشي وبجانبي مجموعة أصدقاء يشربون القهوة ويتبادلون السوالف مع بعضهم وهم من هواة الدراجات النارية، فأمامهم دراجاتهم (الهارلي والهوندا) ومعلق عليها خوذاتهم التي تحميهم -بإذن الله- من الحوادث لا قدر الله، وأثناء جلوسنا مرّت امرأتان شقراوتان يبدو أنهما من الجنسية الأوروبية تلبسان العباءة وكاشفتان لشعرهما، جلستا على طاولة مستقلة بجانبنا.. منظر غير معتاد في مملكتنا الحبيبة ولكن يبدو أنهما جديدتان على البلد.. لا أطيل عليكم أُذّن للصلاة وكانت المحلات لتوها قد بدأت تقفل أبوابها للصلاة، وكالمعتاد تمر سيارة (هيئة الأمر بالمعروف) مع كل أذان للتأكد من أن جميع المحلات مقفلة لأداء الصلاة وإذا بها تقف عند هاتين المرأتين الأجنبيتين، وأخذ أحد رجال الهيئة يوضح لهما بكل لطف وتعامل راق قوانين بلادنا المسلمة وباللغة الإنجليزية وبطلاقة وبأسلوب جميل، وأوضح لهما أن هناك أماكن مخصصة للعوائل يمكن ارتيادها وأن هذه الجلسات للشباب فقط، فما كان من هاتين المرأتين إلا أن شكرنه وذهبتا إلى المكان المخصص للعوائل. كان ذلك على مرأى من عيني وأعين من حولي.. وبعد ذلك إذا به يسلم علينا بوجهه البشوش المبتسم ويقول لنا (لا تفوتكم الصلاة يا شباب هدانا الله وإياكم) ويركب سيارته ويذهب.. فما كان منا جميعاً -هواة الدراجات النارية وأنا- إلا أن قلنا له جزاك الله خيراً يا شيخ وقام هؤلاء الشباب وذهبوا إلى المسجد المجاور (مصطحبين خوذاتهم الباهظة الثمن) وكان بمقدورهم أن لا يصلّوا أو أن يقوموا عن المكان فحسب ولكن كما قال تعالى: {وَمَن يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّضِلٍّ} الزمر37 وقوله:{مَن يُضْلِلِ اللّهُ فَلاَ هَادِيَ لَهُ } الأعراف186 الآية..

ولكني أجزم أن حسن تعامل الناصح وبشاشته وعدم تشدده في كلامه أثرت فينا جميعاً.

جزى الله خيراً هذه النماذج الراقية من رجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلكل جهاز في الدولة سلبياته وإيجابياته بما فيهم جهاز الهيئة، وأكاد أجزم أن إيجابيات (هيئتنا حماها الله) أكثر بكثير من سلبيات بعض المتشددين فيها، حمانا الله وإياكم وسدد خطانا وخطاكم إلى الخير وأعاذنا الله وإياكم من الفتن.