وسط حزن عميق شيَّع عددٌ كبيرٌ من أهالي حائل عصر السبت الموافق11- 2-1432هـ فقيدهم، المرحوم - بإذن الله -، اللواء متقاعد أحمد بن عبد الرحمن المهوس الذي توفي في حادث سير أليم، وهو في طريق عودته وأسرته من المدينة المنورة إلى حائل، بالقرب من الحناكية، مع إصابات بليغة لحقت بمرافقيه (زوجته و3 من أبنائه وعاملة منزلية).. وقد أدى الصلاة عليه عددٌ كبيرٌ من المسؤولين والمواطنين، وتبعت جنازته إلى المقبرة أعدادٌ غفيرةٌ من ضباط المنطقة ومنسوبي القطاعات العسكرية.. يتقدمهم وفد من وزارة الداخلية.. يرافقهم مدير شرطة حائل العميد يحيى البلادي، وقد أعربوا عن حزنهم الشديد وأساهم على فراق زميلهم وأخيهم وصديقهم اللواء أحمد، مكثرين له من الدعاء بالمغفرة والرضوان، وأن يُعجِّل المولى عز وجل بشفاء المصابين.
لقد كان يوماً مؤثراً.. بل أيام مؤثرة تلك التي أعقبت وفاته - رحمه الله -، فقد بدا التأثُّر الشديد على الجميع، وكذلك ظهر التعاطف الأكبر مع أبنائه وأسرته، ومنهم من حضر للمقبرة وتقبَّل العزاء، ومنهم من يرقد في مستشفيات المدينة المنورة في حالة حرجة.. وكان من بين الهموم التي عاشها أبناء وأقارب وأحبة الفقيد عدم علم المصابين بوفاة والدهم.. فكانوا حين يفيقون مما يصيبهم من آلام وأوجاع يسألون عن أبيهم ووالدهم أحمد؟؟ وأين هو؟؟.. لماذا لا يأتي ليطمئن علينا.. ونحن بهذا الوضع؟؟ وفي هذا المستشفى..؟؟ وأين.. وأين؟؟..
ووسط الزحام وفي عزاء الفقيد التقيت بالابن الأكبر للفقيد عبد الرحمن بن أحمد المهوس (24 عاماً)، وهو مدني بشرطة حائل، وقد تحدث بحزن عميق ودموع محبوسة تارة.. وظاهرة تارة أخرى، وقال: الحمد لله على قضاء الله وقدره، فالمصيبة تبدأ كبيرة ثم تصغر، كما يقولون، إلا أن مصيبتنا لم تنته..؟ فوالدتي وإخواني ما زالوا في حالات حرجة جداً.. إلا أن وقوف أهالينا والكثير من الناس معنا، وكذلك كبار المسؤولين قد يخفف من تلك الأحزان.. وكل الشكر لمن وقف معنا لحظة بلحظة.. وفي مقدمتهم صاحب السمو الملكي النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية الأمير نايف بن عبد العزيز - حفظه الله -.. وسمو نائب وزير الداخلية الأمير أحمد بن عبد العزيز.. وسمو مساعد وزير الداخلية للشؤون الأمنية الأمير محمد بن نايف.. ومدير الأمن العام.. وكبار القادة الذين خففوا عليَّ وعلى إخواني وأسرتنا بالكامل، حين وقفوا معنا ومع والدتنا وإخواني الذين لا يزالون يرقدون في مستشفى الملك فهد بالمدينة المنورة.
وأضاف: ونحن نُقدِّر كثيراً ما قاله سمو مساعد وزير الداخلية للشؤون الأمنية الأمير محمد بن نايف في اتصاله بي.. حين أخبرني بتكفُّل علاج والدتي وإخواني في أي مكان بالعالم.. وهذا ليس بمستغرب منه - حفظهم الله جميعاً -.
وعن والده الفقيد، قال: عمل والدي 38 عاماً في الخدمة العسكرية، بدأها بالطوارئ في الرياض.. ثم انتقل للطوارئ في حائل.. ثم عمل في مركز التدريب.. ثم في التمويل والشؤون الإدارية.. ثم نائباً لمدير شرطة حائل.. بعدها عاد للرياض ليواصل عمله في مركز القيادة والسيطرة والتحكم بوزارة الداخلية لمدة أربع سنوات، ليعلن بعدها عن تقاعده.. وذلك قبل أسبوعين فقط من وفاته - رحمه الله -.
ويقول: كان خلال الأيام التي سبقت وفاته سعيداً جداً، ودائماً ما يحتضن أبناءه ويعانقهم ويقول: (بعد أن خدمت الوطن وانشغلت عنكم.. حان الوقت لأتفرغ لكم وأستأنس بكم، وسأسافر أنا وأنتم إلى أي مكان ترغبون، سأعوضكم عن كل ما ما فات).. ولكن هادم اللذات أخذه منا.
ويضيف عبد الرحمن: الحمد لله فقد قمت.. وبمساعدة من أخي نواف وأحد أعمامي بغسيل والدنا، ووالله العظيم شاهدته مبتسماً.. وكأنه (حي) حتى انتظرت أن أراه يتحرك؟؟.. وبفضل الله كان يشير بسبابته متشهداً..
وأضاف والدموع تبدو في عينيه بأنه وعبر (الجزيرة) يُناشد الجميع الدعاء لوالده بالمغفرة.. ولوالدته وإخوانه بالشفاء والعودة إلى حائل بالسلامة.
وقد تفاعل الكثيرون مع هذا الحدث وهذا المصاب وكتب الكثيرون أبيات الرثاء.. وأبدعت الكلمات بتعبيرها الحزين عليه.. وهذه أبيات رثاء في الفقيد سطَّرها الضابط زايد مطلق المطيري:
رن الجرس برسالة عبر الأقمار
وصاح الجهاز يقول عندي دلائل
واعلن رسالة تحمل علوم وأخبار
ويا ليتني ما شفت ذيك الرسائل
قلت الخبر يا الربع وشفيه ما صار
قالوا صلاة العصر يدفن بحائل
قلبي حزن والنوم عن ناظري طار
ذكرت راع الطيب راع الجمائل
عز الخوي ومكرم ال ضيف والجار
عز الله انه من رجالٍ قلائل
لواء ليا منه حضر نور الدار
وعطاءه سيل من المطر تو سائل
لو العمر يشرى شرينا بما صار
لأجل المهوس حي ذيك العوائل
وذكرت قدرة ربنا مجرى الأقدار
أمراً قضى ما عنه والله بدائل
سبحان من يخلق ويشأ ويختار
ومن يعترض عقله عن الحق مائل
ومن مات مثله خلّف عيالٍ أحرار
ما مات يضرب فيه كل المثائل
يدعون له والرب ستار غفار
وأعمال خيريه وذكر الفضائل
يا أبناء الفقيد الحر يا صغار يا كبار
تحملوا ما صار والغم زائل
يا الله عسى الجنة مصيره عن النار
ويكتب مع أصحاب القرون الأوائل
احتسبوا أجره وأبقو لحقه أبرار
والمعذرة في قولي إن كان طائل
رحمك الله يا أبا عبد الرحمن، وغسلك بالماء والثلج والبرَد.. ونقَّاك من الذنوب والخطايا.. ورزقك جنات النعيم أنت ووالدينا ووالدي المسلمين والمسلمات أجمعين.. اللهم عجِّل بشفاء زوجته وأبنائه.. واشف كل مريض من مرضانا يا رب العالمين.. {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.