Tuesday  25/01/2011/2011 Issue 13998

الثلاثاء 21 صفر 1432  العدد  13998

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

الكتابة في الشأن الرياضي مطلوبة أحياناً، خصوصاً في أوقات الأحداث الدرامية، إن فرحاً أو ترحا، وإن فوزا عريضا، أو هزيمة مزلزلة. وبالطبع لست كاتباً رياضيًا، ولا أحب أن أكون ذاك الكاتب، بالرغم من أني مثل بقية أفراد مجتمعنا الكريم تشربت حب كرة القدم، وليس حب

الرياضة ككل، منذ نعومة أقدامي. فنحن كنا الجيل المسحور بالغراب، والكبش، وأبو حطبه، والدبلي، والصاروخ، وكعدور، إلى آخر القائمة من اللاعبين من ذوي الألقاب المثيرة خفيفة الظل. وبطبيعة الحال كبرنا وكبرت (الكورة) في وجداننا، و لا أزال أتذكر كيف انتفش ريشي في صيف عام 1994 أمام جاري الاسكتلندي عندما جندل منتخبنا منتخبات مثل بلجيكا، والمغرب وأحرج هولندا، حتى أني سمعت على المذياع الاسكتلندي من رشح منتخبنا للفوز بكأس العالم! ولا نلوم هذا المسكين، لأنه بالطبع لا يعرف حالنا عن قرب، واعتقد أن مستوانا سيستمر في التصاعد.

وصلنا لفرنسا، كأول اختبار ثان حقيقي لنا فخسرنا المباراة الأولى من «إنبراشة» أحد اللاعبين (المثقفين) الذي لم يعرف الفرق بين حكام كأس العالم الدوليين وحكام دورينا المرتجفين. والنهاية طرد وخسارة، ومن ذلك التاريخ، وكرة القدم لدينا تتأرجح، كما يقال، من جرف «لدحيدرة». فأقُترح الاحتراف لينهض بها، ليتحول لاعبونا فجأة من مهمشين إلى «مزايين البشر» في مزايدات رياضية محمومة. وأحدث الاحتراف الطارئ صدمات عصبية لدى كثير من اللاعبين المنتقلين فجأة من الفقر المدقع إلى الغنى الفاحش، و بررت المبالغ الخيالية المدفوعة بأنك تدفع لشهرة اللاعب وجمال ساقيه، وعُومل كأنه علامة تجارية بصرف النظر عن تذبذب مستواه. وأصبح بعض من باعوا مخططات (أراضية)، أو مساهمات عقارية ودخلوا سوق مزايدات اللاعبين، في غمضة عين شخصيات رياضية، ومناصب رئاسة بعض الأندية تذهب لمن يدفع أكثر. بوادر غير صحية ومزايدات بروح غير رياضية في بعض الأحيان.

أصبنا بالغرور وأصبحنا ننظر لمنتخبات شقيقة مجاورة بنظرة دونية.

وأضحت مقدراتنا الرياضة تذهب إلى القلة القليلة من لاعبينا على شكل عقود، مقدمة عند التوقيع، تتجاوز في بعض الأوقات أسعار منشآت رياضية متكاملة، نحن في أشد الحاجة لها، فمدارسنا، وأحياؤنا كتل أسمنتية متراصة صماء ليس فيها أي متنفس رياضي لا للناشئين، ولا الكبار. ولا يخفى على الجميع بأننا من حيث نسبة انتشار الإصابة بالسكر البلد الأول في العالم، أي أننا نستطيع أن نحقق كأس العالم بسهولة في عدد إصابات السكر، و في أكل الكبسات، والمفاطيح التي يتفنن في إعدادها لنا إخواننا الآسيويون بالتوابل، والماجي، والسمن أبو شوكة وسكين. ونحن بلا شك أكبر مستهلك للتيوس والهرافى دون منازع. يمنح اللاعب إجازة خمسة أيام فيعود بخمسة كيلو زيادة في وزنه.

ثم حصلت الطامة الكبرى عندما هزمنا في يوم السبت الأول من يونيو في العام ألفين واثنين، بثمانية أهداف نظيفة من المنتخب الألماني، أي تسعة أعشار هدف لكل لاعب بما فيهم حارس المرمى، فكتبت حينئذٍ مقالة طالبت فيها برعاية الشباب كافة لا رعاية عدد محدود من لا عبي كرة القدم يتم تدليعهم وزرع الغرور فيهم ثم في النهاية يجلبون لنا النتائج الفضائحية؛ فألمانيا هزمتنا لأن قاعدتها الرياضية تأخذ شكلا أفقيا، أما قاعدتنا الرياضية فتأخذ شكلا هرميا مقلوبا، متضخما في الأعلى ورفيعا جداً في الأسفل، ولذلك فهي تفقد توازنها بكل سهولة، ولا تستطيع الاستمرار منتصبة مدة طويلة. وكالعادة طُرد المدرب لأن العيب دائماً في المدرب، وهو من يمتص عادة صدمات النتائج السيئة مثل «الإيرباق» في السيارة. وكثر الكلام عن لجان علمية، وتغييرات تكتيكية، وخطط إدارية ستعيدنا لمستوانا الحقيقي، الذي لم يتكرم أحد بشرحه لنا.

لكن الواقع أتي بغير ذلك فالرياضة إثرئذٍ، وخاصة كرة القدم، تقدمت للوراء فقط بشكل كبير وعلى مختلف الأصعدة. فلم نعد نحتسب ونخاف من الهزيمة من فرق كبيرة كألمانيا وأوكرانيا، ولكننا أصبحنا نخاف من مقابلة فرق صغيرة جداً، بعضها ما زالت كرة القدم فيها هوايةً وليس احترافاً كعمان والبحرين، وتايلند وهذا يثبت بشكل قاطع أن الإمكانيات المادية ليست كل شيء في الرياضة، وأن الواقعية، والثقافة، وحسن التخطيط أهم من وفرة إمكانات قد تهدر دونما طائل.

منذ ذلك التاريخ والرياضة حولنا تتقدم، ونحن نتأخر أو في أحسن الأحوال نراوح مكاننا. ولم يتقدم لدينا إلا الاحتراف غير المنضبط، فتجديد عقدي لاعبين مقدماً كفيلة بإفلاس ناديهم بقية العام وجعله في حالة تشبه التسول. أما اللاعب فقد ضمن المستقبل، ولم يعد يكترث، وأصبح يعد خطوات ركضه بالريالات وعلى أنغام التطبيل الإعلامي.

أضف إلى ذلك: ترويج بعض الحكايات الخيالية عن عقود عالمية تنتظر هذا وتتربص بذاك. وباختصار تحولت كرة القدم لدينا إلى أخبار صفقات وأحاديث، وأحاديث تلفزيونات تتخللها إعلانات تروج أحيناً لأمور غير صحية وتتناقض مع الرياضة ذاتها مثل دعايات «الرز أبو قدر»، و «شراب الثور الملون»، أو المشروب الغازي الفلاني والعلاني ... وزادت بطبيعة الحال اللجان، والانتدابات، وزاد عدد خبراء الكرة الأجانب.

نعيش في عالم خيال رياضي صنعناه لأنفسنا، دورينا أفضل دوري، ومنتخبنا أفضل منتخب، والمدرب العالمي فالنتينو، حضر سراً للسعودية ليراقب اللاعب «دحمينو»، وهكذا دواليك. وشفرت القنوات الرياضية نقل مبارياتنا لتوفر أموال تستطيع معها تفريغ لاعبين سابقين ليشبعونا تحليلاً، وقرقا، وكلام لا يودي ولا يجيب. إذا تقدم الفريق قالوا المدرب ممتاز والخطة خمسة واحد أثنين واحد، خطة عبقرية، أرقام لا أعرف كيف تخترعونها! أما إذا ولج في مرمانا هدف نتيجة لسرحان أحد لاعبينا، أو ضعف تركيزه بسبب أرق التفكير في عقد ما بعد البطولة، بدأ الربع يشّذبون المدرب، وطلعت الأرقام المضحكة من جديد، كان المفروض بالمدرب أن يلعب بخطة 4، 2،3، 1 : 1، 2، 3، 4 وهلم جرا وكأن كرة القدم جزء من جدول الضرب في المرحلة الابتدائية. والجميع يتجاهل ما يردده كل مدرب حضر لتدريب منتخبنا أن بعض لاعبينا لا يعرف كيف يعتني بصحته، وأسنان بعضهم طايحة أو مسوسة وهو لم يبلغ الثلاثين.

بدأنا وللأسف نعتاد، أي لا نندهش ولا نقنط، عندما تفوز علينا منتخبات مثل البحرين وعمان، وبالأمس هزمتنا سوريا والأردن، التي لم تحظ بشرف الاحتراف، وأصبحنا فعلياً وموضوعياً نصطف مع منتخبات مثل اليمن والهند، فرجعنا للنواح والبكاء على مستوانا، وختمنا المشوار بنصف هدف لكل لاعب من أصدقائنا اليابانيين الذين لم يعرفوا الكرة أيام ناصر، وسعد الجوهر، ناهيك عن أيام الغراب والكبش.

شغلنا بكرة القدم حيز كبير من المساحة العقلية والعاطفية لشبابنا، حيز قد يكون أكبر من المعتاد لدى كثير من الشعوب الأخرى، وأصبحنا نخشى الخروج للشارع عند الفوز أو الهزيمة نتيجة للممارسات العصابية غير السوية لشبابنا، فكرة القدم بالنسبة لهم ليست مسألة رياضة بل مسألة شرف وكرامة، وأصبحت الوطنية لا تقاس بالإنجازات و التحصيل العلمي والسهر الدراسي، بل بمستوى الحماسة لتشجيع فريق زين وأحد أو زين أثنين، أو تشجيع المنتخب. 90% من شبابنا لا يجيدون السباحة، ومثلهم يعاني من فرط السمنة، وكثير منهم لا يعرف أين تقع تونس بالنسبة لليبيا لكنه يعرف جميع اللاعبين في الداخل والخارج، هذا هو واقع الرياضة لدينا لا واقع المنتخب.

ومقتضب القول إنه لا يمكن أن تتطور كرة القدم لدينا بمعزل عن كافة جوانب المجتمع الأخرى. فيجب ألا ننسى، أن عمان مثلاً، التي هزمتنا في نهائي أحد البطولات لم تتطور في مجال كرة القدم فقط بل في التعليم والصناعة، والسياحة، ومجالات عمل المرأة، والفن، والمسرح، وهي الدولة العربية الوحيدة التي تملك أوركسترا فيلهارمونية سينفونية متكاملة، ولذا فلا يستغرب علي لاعبيهم أن يعزفوا سينفونيات في المستطيل الأخضر أيضاً. وربما أن الشيء الملاحظ على الشباب العماني في الملعب هو استمتاعهم باللعب، واللعب دون شحن عاطفي زائد. فمتى ننسى المنتخب ونتفرغ لرعاية جميع الشباب.

 

المقتضب في أحوال المنتخب
د. محمد آل عبد اللطيف

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة