حين أصدر أحد القضاة الواعين في القطيف بالمنطقة الشرقية، حكماً تعزيرياً على شاب جنح عن الصواب، وأوقفه دون التنفيذ، لأنه أصدر حكماً تعزيرياً بديلا يقضي بإلزامه الالتحاق بحلقات تحفيظ القرآن الكريم، وحفظ ثلاثة أجزاء من القرآن، مع عشر ساعات عمل يقضيها في إحدى الجمعيات الخيرية. سنة 2009،.. في حالة عدم تنفيذه يكون حكم التعزير الأساس قائمًا.., فإنه بهذا الحكم البديل، قد فتح باباً واعياً لمواجهة حاجات الشباب في مقابل غياب العديد من الضوابط في المشهد الحياتي من حولهم، الذي يقتضي الوعي بها عند إصدار الأحكام التعزيرية، القابلة للتنويع بقدر إدراك القضاة للجنح التي يقع فيها الإنسان, وتحديدا الشباب قليلو المعرفة، والتمكين القيمي، ضعيفو الضوابط الذاتية، والخبرات، عندما يتعرضون لمغريات النفس والحياة، فيحتاجون عندها لأحكام تعينهم عند تنفيذها على إدراك أخطائهم، ومن ثم يعالجونها، ويتجاوزونها، حين يخضعون لتنفيذ أحكام من شأنها تدريبهم، وإفهامهم، وإيصالهم للفارق بين الخطأ والعقوبة, وبينهما والصواب والمثوبة...
وكان أن تكرر من بعض القضاة الأفاضل مثل هذه الأحكام البديلة الواعية، ما قرأت مؤخراً بأن الشيخ عبد الله العضيبي قاضي محكمة محافظة بدر غرب المدينة المنورة، قد أصدر حكماً بديلاً مماثلا على أحدهم، بعد استحقاقه لحكم تعزيري، جاء بديلا واعيا، يلزم الشاب بتقليم الأشجار في الطرقات العامة, مع موظفي البلدية, كل يوم ثلاث ساعات، لمدة شهر. وهو ثاني حكم بديل يصدر من المحكمة ذاتها، بعد أن صدر حكم على شخص آخر قبله بفترة وجيزة، قضي فيه بأن يرفع الشاب الأذان لمدة شهر، في أحد مساجد بدر، مع حفظ جزء كامل من القرآن الكريم.
إن في هذه الأحكام التعزيرية البديلة ذات الصبغة التدريبية المفيدة, ما يؤكد وعي القضاة بمثالب, وفجوات، وقضايا الوقت، من حيث دوافع السلوك العام للشباب، وقصور أدوار المنشئين، والمربين، والقيم العامة المنتشرة من حولهم، والمؤثرات الجلية للواقعين تحت سطوتها، إلى جانب ما يقع عليهم من تفريط في سلوك، هم وحدهم المسؤولون عن نتائجه وعقوباته.
إن الأحكام البديلة التي بدأ يصدرها قضاة المحاكم، تواكب الوقت، ومقتضيات التوعية، ومؤثرات تعديل السلوك، للتراجع عن الخطأ عن طريق محكات إيجابية، بجعل المخطئ ينفذ واجبا ومن خلاله يعي، ومن خلاله يتعظ، ومن خلاله يقدم خدمة لمجتمعه، ينخرط فيها مع المكافحين الصابرين على وهج الشمس، وغبار التراب، ولسع البرد، وتعب الجسم، أو الاصطبار على حفظ القرآن الكريم، والوعي بمضمونه في تربية النفس على معرفة الخالق, ومدى رحمته، ومنتهى عقوبته، وقربه وإجابته، وقبوله للتوبة، وتجاوزه عن الزلة، عن تلاوة محكمة، وتنفيذا يمزج بين الترهيب والترغيب، لهي والله من أنجع أساليب التربية بالعقاب، والعقاب بالتربية...
وقد قيل إن هناك دراسة لجدوى الأحكام البديلة للتعزير في المحاكم، فليتها تكون قد استوت على سوقها، تعجب المربين، والحريصين على المكاسب من جانبيها، بحيث يصبح الخطاؤون توابين، والمارقون أعضاء صالحة في جسد المجتمع.
كم نحتاج في جميع المجالات والمحكات التي يمارس فيها الشباب الأخذ والعطاء، والمواجهة والتأثر، من يخطط ويتابع, وينفذ ويتابع, ويحكم ويتابع، ويقوم ويتابع بما تقتضيه المرحلة ومعطياتها الفارضة..., والفارطة.
مني تحية كبيرة مفعمة بالدعاء, للأفاضل قضاة الوعي، رسل التربية، دعاة الخير,...
إنهم الموفون برسائلهم، بما تقتضيه الحكمة، ويستدعيه الزمن،...
فعسى أن يؤخذ بجهودهم نحوا من التآزر, من قبل أفراد ومؤسسات المجتمع، فتتضافر الجهود لتنفيذ الأحكام، وبسط سبل التناصح، والتوجيه لانتقال المرء بعد الخطأ، من مفارق الطرق، إلى مناهجها الأولى: الفطرة النقية... والامتثال بها.