المغرِّدون خارج السرب، يا لها من عبارة خلاّبة في ظاهرها، بيْد أنّ حقيقتها تشير إلى آثار خطيرة وأخطار جسيمة، فهؤلاء المغرِّدون «الأزواج» القدامى منهم أو حديثو الزواج، لم يروا في السرب «عش الزوجية» فرصة للتغريد والترويح والمتعة والسكن النفسي، فخرجوا إلى جهات أخرى يبحثون عن ذلك، ونسوا أو تناسوا ما يُحدثه هذا التصرف من مشكلات وانعكاسات لا يقتصر أثرها على الفرد بعينه.
والسؤال المُلح المهم يدور حول تغريد بعض الأزواج الأوقات الطويلة، بل الأيام العديدة، خارج بيوتهم سواء في السفر أو السهر أو السمر؟!
الأسباب
يظهر أنّ الأسباب عديدة متداخلة ومتشعّبة في الوقت نفسه، ولكن يمكن إبراز أهمها في الأمور التالية:
أ - الضغوط المادية الاقتصادية.
ب - التوتر النفسي والقلق الفكري.
ت - البحث عن المتعة والمسامرة.
ث - التنزه والانعتاق من المسؤوليات.
ج - طلبات الزوجة وإزعاج الأطفال.
ح - الخواء الروحي والفراغ.
خ - البطالة وعدم العمل.
د - اللامبالاة والفوضوية.
هذه بعض الأسباب، إذ إنّ كل حالة على حدة تُنشئ وتتعرّض لأشكال معيّنة من الضغوط، بل إنّ مبرّرات عديدة متجدّدة تظهر تارة وتختفي أخرى، وتبقى هذه الأسباب الأبرز.
الآثار
إنّ التغريد خارج السرب يولد مجموعات عجيبة من الآثار والأخطار:
فعلى مستوى الزوج، فإنّ هذه الظاهرة تولد لديه حُب السهر وعدم الاكتراث بالالتزامات وإهمال الشؤون البيتية، وتُزهده في العمل والبحث عن وسائل لتحسين الدخل وزيادة الثروة وتُحببه في البطالة والكسل.
وعلى مستوى الزوجة، فإنها تفتقد نتيجة لذلك الزوج السكن، فتُحرم من المودّة والمحبة، وتعيش قلقاً نفسياً وتوتراً عاطفياً.
وعلى مستوى الأولاد، فإنّ تلك الظاهرة تنعكس بآثارها عليهم، فلا يرون الأب إلاّ نادراً، ومن ثم فلا حنان ولا حوار ولا حركة إيجابية ولا حماس دراسي، إذ لا يتابعهم في أمورهم العلمية الدراسية أو الحياتية أو صداقاتهم أو هواياتهم.
وعلى مستوى الأسرة، تفقد الأسرة كل الترابط والتشاور والتعاون والمناصحة، فتؤول الأمور إلى أوضاع سيئة من التفرُّق والتشرُّد والأخطار الاجتماعية والمساوئ الأخلاقية، وربما وصل الأمر إلى الفراق فالطلاق فالخراب والدمار.
الأخطار
مما سبق يتضح أنّ أخطار هذه الظاهرة متعدّدة، بل إنّ آثارها لا تنحصر في مكان ولا تعني فرداً معيناً، وهكذا كانت المشكلات أكثر إزعاجاً وخطراً، سواء على مستوى الفرد أو الأسرة أو المجتمع أو الدولة أو الأمة، إذ يوشك أن تعم هذه البلية الغالبية وتسري في المجتمع كالنار في الهشيم، فماذا بعد النار إذا وصلت إلى حياتنا الخاصة.
ثم إنّ المجتمع أو الدولة التي تعاني من المساوئ الأخلاقية والمشاكل الاجتماعية والظواهر الاقتصادية السيئة، إنّ ذلك المجتمع عُرضة للتدهور والانحلال، يقول تعالى: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ} (محمد: 22) فكيف بالقطيعة الرحيمة الخاصة، الوشائج الدقيقة التي تربط الزوج بالزوجة بالأولاد بالأسرة بالمجتمع.
العلاج
أظن أننا في حاجة ماسة إلى خطة شاملة نموذجية تتيح لنا احتواء أسباب ظاهرة التغريد خارج السرب، لنتمكن من مواجهة تلك الأسباب والتصدِّي لتلك الظاهرة، وتوفير الجو المناسب لأولئك المغرِّدين ليملأوا أسرابهم تغريداً ممتعاً.
وعليه فإنّ خطة من هذا النوع تستلزم حشد الجهود والطاقات، بحيث تشمل:
1- التوعية الدينية بأهمية الأسرة والترابط بين أفرادها ومسؤولية كل فرد دينياً وحقوق وواجبات الزوج والزوجة والأولاد وحثّ الجميع على الالتزام بها.
2- التوعية الاجتماعية بأهمية الترابط الأسري وتكاتف العائلة فيما بينها ومعالجة مشاكلها وأزماتها داخلياً وبشكل ودِّي وحنون.
3- التوعية النفسية بأفضلية السكن النفسي بين الزوج والزوجة، وحاجة الأولاد إلى المودّة والرحمة وأهمية توفير الأسباب اللازمة من أجل أسرة مستقرة.
4- التوعية الاقتصادية بأخطار تلك الظاهرة ومثيلاتها على الكيان الأسري والميزانية الأسرية، حتى لا تثقل كاهل الزوج المصروفات غير اللازمة، مع أهمية توفير وسائل دخلية وقنوات ادخار وتوفير كافية لصالح الأسرة.
5- التوعية الإعلامية بتوفير البرامج المناسبة التي تبيّن خطورة مثل هذه الظاهرة على كيان المجتمع، وتوفير بعض الحصانات الجيّدة لمواجهة الغزو الفضائي القائم.
وغير خافٍ دور مؤسسات المسجد وجماعة الحي والمؤسسات الاجتماعية والمدارس والجامعات والجمعيات الخيرية والهيئات المتخصصة، لدعم المجتمع بكافة شرائحه.
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية