في خضم انشغال الإعلام العربي بالأحداث في تونس مرَّت زيارة الرئيس الروسي لفلسطين دون أن تحظى بالاهتمام الواجب، وما يُتوقع أن تفرزه هذه الزيارة من نتائج إيجابية خصوصاً على مسار التحرك العربي والفلسطيني الساعي إلى حشد التأييد الدولي والاعتراف بالدولة الفلسطينية وفق حدود عام 1967م.
فوصول الرئيس ديمتري مدفيديف إلى أراضي دولة فلسطين من خلال نافذة مدينة أريحا يحمل دلالات مهمة وكبيرة جداً لم تغب عن رصد ومراقبة الدوائر السياسية والإستراتيجية في المنطقة وخارجها. من أهم هذه الدلالات أن الرئيس الروسي خَصَّ فلسطين وحدها لهذه الزيارة، فلم تأت على غرار زيارات الرؤساء والوزراء الغربيين الذين يختمون زياراتهم لإسرائيل بملحق تكميلي إلى رام الله. الرئيس الروسي خَصَّ فلسطين الدولة التي تعترف بها روسيا، لتظهر هذه الزيارة أنها تعزيز روسي للاعتراف بالدولة الفلسطينية، واعتراف عملي بمستقبلها كدولة حرة مستقلة.
أما الدلالة التي أقلقت الإسرائيليين وأربكتهم كثيراً، فهي كون الزيارة ومن رئيس الدولة الثانية في القطبية الدولية، تؤكد أن إسرائيل تقترب مسرعة أكثر من أي وقت مضى من العزلة الدولية. فقد وجد كثير من الشخصيات والدوائر السياسية في الكيان الإسرائيلي بأن تعزيز اعتراف روسيا بالدولة الفلسطينية وزيارة الرئيس الروسي مدفيديف لأريحا فشلٌ ذريعٌ لسياسة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ولوزير خارجيته الروسي الأصل أفيغدور ليبرمان.
أما الدلالة الثالثة وهي الأهم، وهي توقف العديد من الإسرائيليين وخصوصاً العاملين في مراكز الأبحاث والدراسات، توقفهم عند قول الرئيس الروسي مدفيديف «أن روسيا قامت بخيارها في موضوع الاعتراف بالدولة الفلسطينية أواخر الثمانينات من القرن الماضي، ونحن ندعم دعماً كاملاً حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة الموحدة القابلة للحياة وعاصمتها القدس الشرقية». فالمختصون الإسرائيليون والباحثون في المواضيع السياسية والإستراتيجية يرون في تأكيد الرئيس الروسي على إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس وقوله بأنه بظهور الدولة الفلسطينية المستقلة سوف يريح الجميع خصوصاً الفلسطينيين والإسرائيليين وشعوب المنطقة كافة، وهو ما علينا أن نسعى لتحقيقه. هذا الموقف الروسي الواضح ومن أعلى شخصية روسية والذي صدر أثناء زيارة تاريخية لا بد وأن يحرك الأوضاع في فلسطين التي يحاول الإسرائيليون بتجميدها، وتعمل قوى دولية حية على تحريكها لصالح معالجة الأوضاع الفلسطينية التي أصبحت في مستوى لا يمكن احتماله فتحركت الدول الكبرى لمعالجتها ومنها زيارة الرئيس الروسي.