يقول د. أحمد العرجاني أمين مؤسسة الملك عبدالله لوالديه للإسكان الخيري في مؤتمر صحفي «بأن أجدادنا قطعوا آلاف الأميال لأجل العمل ولو كنت فقيرًا لعملت بما يكفيني السؤال» وأهمس في أذنه بأن أجدادنا هؤلاء الذين سافروا إلى الشام ومصر والعراق وفلسطين يتاجرون ويسعون بحثًا عن الرزق، إنما لم يكونوا يعرفون بأن حوافر خيولهم وأبلهم كانت تدقُّ أرضًا ينام تحتها الذهب الأسود، أما وقد اكتشفنا هذا الذهب الذي بلغ الاحتياطي منه ثلثي ما في العالم من نفط، فعلينا أن ندرك أن أحفاد هؤلاء، لهم الحق في وظيفة تمثل مصدر رزق كريم، وسكن يؤويهم في وطنهم.
على ذكر السكن وما أدراك ما السكن، نشرت إحدى الصحف المحلّية إعلاناً لإحدى مدارس الرياض تطلب فيه مدير مطعم لها، ورغم سخرية المزايا المدرجة لهذه الوظيفة وغرابتها، إلا أن أكثرها غرابة، هي «منح بدل سكن لغير السعوديين»، ولاحظ جملة «لغير السعوديين» لأن من الطبيعي أن يكون لدى السعودي سكن في وطنه، لذلك ما معنى أن تمنحه هذه المؤسسة أو تلك بدل سكن، فأرض الوطن كلها سكن له، فاضرب -أيها المواطن- أطناب خيمتك في أي مكان في هذه الصحراء الواسعة، ولا بأس أن تأخذ بنصيحة د. العرجاني مقتديًا بأجدادنا المحاربين على ظهور مطيّهم، بحثًا عن الرزق الكريم!.
وطالما أننا نتحدث عن غرائب الإعلانات في الصحف المحلِّية، فقد نشرت مدرسة عالمية في الرياض إعلانًا خاصًّا للسعوديات فقط، وهو طلب عاملات نظافة لتلك المدارس، لأنه يبدو أننا لن نجد من السعوديات مؤهلات إلا في النظافة، ومسح البلاط والتنظيف، لأنه يجب أن نمسح بهن البلاط، حتى لو كان لديهن مؤهلات علمية، أعتقد أن صاحب الإعلان نسي أن يشترط فيهن أن يكنّ من حاملات بكالوريوس اللغة الإنجليزية، خاصة وأن عندنا من السعوديات العاطلات عن العمل ما يجعلنا نختار ما نشاء من التخصصات، فهو شرط مقبول جدا، لأن عاملة النظافة في مدرسة عالمية يفترض أن تتقن الإنجليزية كي تتحاور وتتفاهم مع مديرة المدرسة الأجنبية، ومع المدرسات والطالبات أيضًا، لأن اللغة الرسمية المستخدمة في مدرسة عالمية هي اللغة الإنجليزية.
لا أعرف ماذا ستفعل دكتور أحمد العرجاني مع ستين خبيرًا تبحثون برامج تحسين أحوال الفقراء في بلاد النفط؟ هل ستنظرون في تجارب الدول الأخرى وكيف عالجوا مشاكل الفقر؟ هل ستحدّون من هجرة الفقراء من القرى إلى المدن كي لا يشوهوا شوارع المدن، وكي لا تصبح الرياض لندن أو باريس؟ وهل ستحدّون من هجرة هؤلاء إلى مدن ودول مجاورة قد يجدون فيها رزقهم؟ فالأمر لا يحتاج إلى الكثير من الأبحاث والدراسات، لأنكم ستشكِّلون لجانًا، سيتفرع منها لجان أخرى، ومن هذه اللجان الأخرى لجان ثالثة، وهكذا ستجد أننا ندور في حلقة مفرغة من اللجان!.