للمرأة حق في التعليم لا يقل عن حقها في الحياة الكريمة، فإذا كان الماء والزاد والهواء من مقومات حياة الجسد، أي من مقومات الحياة الحيوانية التي يشترك فيها الإنسان والحيوان والنبات، فقد ميز الله بني آدم بالعقل، والعقل لابد له من غذاء، وغذاء العقل هو العلم، والعلم قبس من نور الله عز وجل يفيض به على من يشاء من عباده، وديننا الحنيف يدعو إلى التعلم، والإنسان السوي يتعلم من المهد إلى اللحد، وقد قيل إن آفة العقل الغرور، ومن الغرور أن يظن المرء في أي من مراحل العمر أنه تعلم، وما لديه من العلم يكفيه، فيغلق أبوابه عن تلقي نفحات من نور الله عز وجل، فكم من عالم أكرمه الله بالفتوحات الربانية في خريف العمر.
وتعليم المرأة أحد مرتكزات التنمية، فالمرأة المتعلمة أقدر على تربية أولادها وتنشئتهم تنشئة طيبة، ولم لا وهم شباب الغد ورجال المستقبل، يقول الشاعر:
الأم مدرسة إذا أعددتها
أعددت شعباً طيب الأعراق
ذهبت لآخذ ابنتي من مدرستها الثانوية، بعد انتهاء اليوم الدراسي، وكان وصولي مبكراً بعض الشيء عن موعد انصراف الفتيات، فأخذت جانباً وجلست في سيارتي أنتظر، وما هي إلا لحظات، وبدأ انصراف الفتيات، وراعني ما رأيت بأم عيني.
رأيت شباباً رتعاً كأنهم من غير البشر، وكنت أحسب أنهم سيكونون {رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا} (29) سورة الفتح.
لا تكاد تفرق بين سلوكياتهم وسلوك البهائم أو سلوك أمثالهم في بعض المجتمعات النائية عن الدين، أو تلك التي تعيش غفلة عن الأخلاق والمثل العليا، فاستشطت غضباً، وكادت نفسي أن تخرج عن اتزانها، لكني تذكرت قوله تعالى: {أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} (28) سورة الرعد.
فشغلت القلب بذكر الله عسى أن يطمئن فتهدأ النفس الغاضبة من تصرفات هذه الفئة التي لم يحسن أهلوهم تربيتهم، غفلوا عنهم وعن ضياعهم في زحام الحياة، ونسوا أو تناسوا أنهم عنهم مسؤولون وعن ضياعهم موقوفون أمام ربهم يوم القيامة للحساب، إن لم يقدر الله لهم توبة قبل أن تجف الأقلام وتطوى الصحف.
رأيت بعض الشباب يغازل الفتيات، والبعض الآخر يقوم بالتفحيط، غير آبه بسلامته أو سلامة مرتادي الطريق، وقد خلا لهم الجو سواء من أهل الحسبة أو الدوريات الأمنية أو دوريات المرور، وشعرت بعدم الرضا لما آل إليه حال مجتمعنا المسلم المحافظ، فأين نحن من تعاليم الدين الحنيف، وأين شبابنا من شيم الآباء والأجداد، وأتساءل، هل يرضي أي من هؤلاء الشباب أن يحدث هذا مع أمه أو أخته، أم أن دماءهم غير الدماء، أين حمرة الخجل من أهل الحياء، وأين حرارة الدماء العربية في العروق، ألم يسمعوا أن الحياء شعب من الإيمان أم أنهم لا يستحون.
في بداية الأمر خطر ببالي أن أهاتف الدوريات أو رجال الأمر بالمعروف للتعامل مع هذه الفئة، ولكني فكرت قليلاً وقلت لنفسي إن هذه مسؤولية المجتمع بأسره، فالتربية تبدأ من المنزل، ولابد من تضافر جهود المنزل والمدرسة ورجال الأمن وهيئة الأمر بالمعروف للسيطرة على هذه الأفعال غير المسؤولة في مجتمع يرفع راية (لا إله إلا الله)، وإلا فعلى الأرض السلام.
إن غياب الوعي قد يكون بسبب التقصير أو بسبب خطورة المرحلة التي يمر بها أمثال هؤلاء في سن المراهقة، ولكي تكون النتيجة مرضية لابد من معالجة هذه الظاهرة وتناولها بكل هدوء وحكمة، فالأولاد أولادنا والبنات بناتنا، ولكن إذا كانت هذه مسؤولية جماعية فمن أين نبدأ، وأظن أنه من الصواب أن يكون البدء من قبل الجميع في وقت واحد عسى أن يكتب للجهود النجاح.
هذا نداء من رجل يشعر بالمسؤولية تجاه شعبه ووطنه، يستنهض همم المسؤولين لمعالجة هذه الظاهرة قبل أن تستفحل فهل من مجيب؟
قال تعالى: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} (58) سورة النساء.
والله من وراء القصد.
- الرياض
alkatbz@hotmail.com