حدث ما حدث من ثورة شعبية عارمة في دولة تونس الشقيقة تمردا على الأوضاع المعيشية المتردية في تلك البلاد العربية خرج على إثرها الرئيس التونسي الأسبق «زين العابدين بن علي» باحثا عن لجوء سياسي في دول أوروبا التي رفضت استقباله واستضافته ليستقر به الحال آخر المطاف في المملكة العربية السعودية.
المملكة، عندما استضافت الرئيس التونسي زين العابدين بن علي، تحركت بفعل مشاعر ومتطلبات العامل الإنساني والعربي والإسلامي، وأيضا لترقب ومعرفة ما ستتمخض عنه الأحداث في تونس، ولكن، وهو الأهم، لمنع أية تحركات سياسية مستقبلية قد تستخدم وتوظف ضد إرادة الشعب التونسي.
الحدث كما قالت الغالبية العظمى من المحللين والمراقبين غير السياسيين لم يكن متوقعا وجاء على حين غرة، بل إن أحداثه تشبه الخيال. بيد أن مؤشرات ذلك الحدث قبل التمرد ومن ثم أثناء التمرد وإلى أن تحول إلى عصيان مدني تونسي وتفاقم إلى ثورة شعبية، كانت برمتها واضحة العيان تلوح في الأفق التونسي الشعبي قبل أن تبدأ. نعم كانت واضحة وجلية، رغما عن ذلك لم تعرها القيادة التونسية أي اهتمام، بل تجاوزتها معتقدة أن الشعب التونسي سيبقى على وضعه الانساني المزري السابق، سيرضى ويبقى على ما هو عليه من معاناة إنسانية عامة يغلفها الصمت المؤلم، وتحتضنها مشاعر الغضب المكلوم المكتوم.
من جهة، تفاقم وتضخم حجم الهوة بين توقعات الأفراد والجماعات الشخصية والإنسانية، ومن الجهة الأخرى بين المنجزات التي حققوها في الواقع لترتفع طبقا لذلك مشاعر الاستياء والسخط، وتتنامى حدة الغضب الفردي والجماعي لتصل إلى مستوى مرتفع ومتقدم من مشاعر الحرمان النسبي. هاهنا تحديدا تختلط المشاعر والمعاناة الإنسانية مع التطلعات والتوقعات لتنفجر في حال فجائي من السلوكيات الإنسانية العنيفة التي لا تلقي بالا لمشاعر الخوف والهلع، ولا تكترث بما هو ممنوع أو مفروض.
هذا ما حدث في معظم الثورات الشعبية التي تفجرت على مدى التاريخ بداية من ثورة العبيد بقيادة «سبارتكوس» في الدولة الرومانية، مرورا بالثورة الفرنسية لعام 1789م، نهاية بالثورة الإيرانية لعام 1979م، وأخيرا في الثورة التونسية لهذا العام.
التاريخ السياسي ونظريات علم السياسة تؤكد أن وجود المؤشرات الإنسانية السلبية في المجتمعات الإنسانية وتضخمها إلى مستوى مرتفع من المعاناة الشعبية العامة، وظهور بوادر تململها واستيائها، لا يعني حلها بالتغافل عنها وتجاهلها، ولا يمكن قمعها إلى الأبد، بل لا بد من اصلاح الحال السياسي والاقتصادي للتوافق والتفاعل والتعايش معها سواء بإصلاحها من داخلها بشكل كلي مقبول، أو على الأقل تلبية مطالبها واحتياجاتها الإنسانية خصوصا الحاجات الأساسية (الملبس، والطعام والمأوى).
نعم، قد يتحمل الإنسان طويلا جور الفقر، وظلم المرض، وضيم الجهل، ولكنه لا يمكن أن يتحمل إلى الأبد جور وظلم وضيم وقهر الفساد الذي لا يختلف في جوهره ومخاطره عن مرض السرطان في نهاية مخرجات مصير من أبتلي به.
نعم، هذا ما حدث في تونس، وقد يحدث في دول أخرى تتشابه في واقعها الاجتماعي مع الحدث التونسي خصوصا في ذات الأمراض وذات الأوضاع، خصوصا إن لم تتحرك الأنظمة السياسية في معالجة الأسباب والدوافع بطرق وأدوات ووسائل إيجابية إنسانية متحضرة.