رغم كل التطور واتساع دائرة الفهم والثقافة، إلا أن الموروثات السلبية والثقافية التي ترسخ التخلف لا تزال تأخذ حيزاً من السلوك العربي.
المواطن التونسي محمد بوعزيزي، واسمه الحقيقي طارق، وبعد أن فقد الأمل في أن تعالج مشكلة العاطلين الجامعيين التونسيين بعد اتساع دائرة الإحباط في أوساط تلكم العاطلين أقدم على حرق نفسه، خاصة بعد أن جردته السلطات الأمنية وأجهزة البلدية من العربة التي كان يبيع عليها الخضار لإعالة نفسه وعائلته، وهذا فعل جاء متوافقاً مع السياق وهو مبرر كسلوك
فعلٌ حرك الشارع التونسي الذي انتفض عفوياً ليتهاوى النظام ويحصل التغيير.
هذا الفعل الذي حصل بنوايا وطنية يهدف تحسين أوضاع المواطن التونسي، أصبح مدار تقليد من بعض الانتهازيين السياسيين والمصلحين.
ولقد كان من المضحك المبكي ظهور ممن يمتهنون العمل السياسي عن طريق الإقامة في فنادق خمس نجوم ويمارسون المعارضة، ظهر ذلك المعارض في إحدى المحطات الفضائية بملابس أنيقة وربطة عنق فاخرة وهو يدعو شباب بلده بحرق أنفسهم لتحريك الشارع، فما كان من أحد المتصلين إلا أن طلب منه أن ينفذ هو ذلك، وأنه -المتصل- سيتبرع بقيمة البنزين. أما في مصر فقد استمرأ البعض العملية، إما من أجل تحقيق هامش من الشهرة، أو من أجل الضغط على تنفيذ مصالح شخصية لا علاقة لها بالشأن العام، وليس من أجل خدمة المجتمع أو لتحقيق مطالب سياسية ولا حتى إصلاحية، فقد حاول صاحب مطعم في القاهرة أن يحرق نفسه لأنه يريد زيادة نسبة ما يعطى لمخبزه من الطحين المدعم، ومحام أراد حرق نفسه لأنه لا يعرف كيف يسيطر على ابنته، أما المناضل الثالث الذي فشل في إحراق نفسه فإنه يريد الهجرة إلى خارج مصر، ويبحث من طريق الحرق عن تأشيرة الخروج..!!
هل هو نضال من أجل الشعب؟ أم المجتمع؟ أم من أجل تحقيق المصلحة الشخصية على اعتبار أن إصلاح وتحسين وضع الفرد يؤدي بالتالي إلى إصلاح المجتمع؟ أم أن حالة اليأس والإحباط وتفشي المصلحة الشخصية هو الذي يدفع الناس إلى التخلص من الحياة حرقاً..؟