من المعايير التي يقاس بها تقدم أمة ما تعدد مراكز البحث ومعاهدة في بلدها، وتاريخ الأمة العربية والإسلامية في ميدان العلوم والبحث والترجمة والتعريب وضاء المعالم ومشرق الصفحات، ومن يقرأ كتاب «حضارة العرب» سيرى إعجاباً وإكباراً لأسلافنا الذين نشروا ضياء المعرفة.
وتجتاز الأمة العربية والإسلامية اليوم ظروفاً بالغة الشدة والتحدي، وما زال الإيمان يملأ الأفئدة، وينأى بالفرد المسلم عن القنوط واليأس، بل يرقى فوق مستوى ذلك.
ولعل من أهم ما ينبغي أن نوليه العناية والاهتمام تشجيع مراكز البحوث، وتعريب العلوم، وفي مقدمتها الطب والهندسة، فتلك ضرورة ملحة لحاجاتنا إلى ذلك، وأن نتحرر من عقدة صعوبة اللغة العربية، وعدم قدرتها على احتواء المصطلحات العلمية، فقد قامت اللغة العربية في الماضي بدور عظيم في هذا المجال، وبقيت عبر السنين لغة للعلم والثقافة والفكر والطب، وخلفت تراثاً نفسياً خالداً، ما زالت آثاره وبصماته واضحة وممتدة وباقية في تاريخ الحضارة الإنسانية والمجتمع الإنساني، ولكي يبقى المجد متصلاً فلا بد من الاهتمام بموضوع تعريب المصطلحات الأجنبية.
وفي نظري أن تعريب المصطلحات العلمية الغربية أمر ميسور بالنسبة للغة العربية، فتجارب اللغة العربية في الماضي حقيقة تاريخية لا يسع أي إنسان مثقف جحودها أو الشك فيها.
كما أن اللغة العربية ليست أشد تعقيداً، وأكثر صعوبة من اللغة الصينية، أو البلغارية، أو اليابانية مثلاً، والتي استطاعت أن تستوعب مختلف العلوم، وشتى المعارف، بل إن اليابان في الوقت الحاضر استطاعت أن تقف على قدم المساواة مع الغرب وتضاهيه في مجالات العلوم والتقنية.
علماً بأن الدراسة في مختلف جامعاته باللغة اليابانية، فهم ينقلون العلوم من الغرب ويبادرون إلى ترجمتها بسرعة فائقة إلى لغتهم، وكذلك دول أخرى في الشرق.
ولقد رأيت خلال زيارتي لليابان عن اهتمامهم بلغتهم في الجامعات، وحرصهم على المخاطبة بها رغم معرفتهم بلغات أخرى، وفي جامعات إسرائيل تدرس العلوم باللغة العبرية وفي فيتنام وغيرها تدرس العلوم بلغاتها القومية، كل ذلك يقتضي منا بطبيعة الحال أن نقوم بتعريب العلوم في جامعاتنا، وأن نوفر الوسائل والإمكانات بأريحية وسخاء في هذا الميدان، وليس معنى ذلك تعصباً ومقتاً للغات الأخرى، فالقضية أعمق من هذا وأوسع بكثير، كما أن جامعات المملكة ومراكز البحث فيها مؤهلة أن تقوم في هذا المجال بدور فعال والتعرب لا يعني الانقطاع عن تعليم اللغات الأجنبية يطل منها العلماء والأطباء على الجديد في ميادينهم.
وقصارى القول: إن التعرب مظهر من مظاهر الوفاء للغتنا الخالدة وسيجعل الطلاب أكثر استيعاباً للمادة العلمية وتمكنا منها وفهمهاً لها ما دامت قد قدمت لهم بلغتهم الأم وقد أثبتت الدراسات العلمية ذلك، وليبقى العطاء متصلاً والمجد خالداً لهذه اللغة وعلومها النفسية، وتراثها الخالد في مناحي العلوم وشتى الفنون وضروب الآداب.